فإن الصحابة قاطبة، وسائر أهل السنة والجماعة متفقون على أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. ويؤمنون بأن الله تبارك وتعالى عالم بجميع الكائنات قبل أن تكون كيف تكون؛ وغلاة منكري القدر قد أنكروا هذا العلم، فكفرهم بذلك الأئمة: أحمد وغيره.
وأما من قال بإثبات القدر خيره وشره، حلوه ومره، فلا يلزمه ولا يرد عليه ما ورد على القدرية النفاة، من لزوم خروج العبد عن فعل المولى.
وإن قال: إن العبد قد يخرج عن الإرادة الدينية الشرعية إلى ما يضادها من المعاصي والكفر والفسوق، فيكون بذلك مخالفا للأوامر الشرعية وإن كان داخلا تحت المشيئة الكونية القدرية; فالخروج عن القدر والمشيئة نوع، والخروج عن الأوامر الشرعية نوع آخر.
فالأول غير ممكن لجميع المخلوقات، لجريان الأقدار عليهم طوعا وكرها; وأما الثاني فيقع من الأكثر {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[سورة يوسف آية: ١٠٣] . ولله سبحانه وتعالى في خروج الأكثر عن أمره حكمة يحبها ويرضاها، لائقة بعلمه وحكمته، وعدله وربوبيته، يستحق أن يحمد عليها.
وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، كلاما حسنا في معنى قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ}[سورة الذاريات آية: ٥٦] ذكر فيه ستة أقوال:
أحدها: قول نفاة الحكم كالأشاعرة ومن وافقهم، كالقاضي