والقدرية المجبرة دعاهم لهذا فيما يزعمون إبطال قول القدرية النفاة، ومصادمتهم في قولهم: إن الإرادة هي الأمر، يأمر بها الطائفتين؛ فهؤلاء عبدوه بأن أحدثوا إرادتهم وطاعتهم; وهؤلاء عصوه بأن أحدثوا إرادتهم ومعصيتهم.
وحاصل قولهم: إنكار القدر، وأن الأمر أنف; فقابلهم أولئك بالقول بالجبر; وأنهم لا يخرجون من قدره وقضائه، نظرا منهم إلى أن الأمر كائن بمشيئة الله وقدره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وأنه تعالى خالق كل شيء، وربه ومليكه، ولا يكون في ملكه شيء إلا بقدرته وخلقه ومشيئته، كما قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[سورة القمر آية: ٤٩] ، {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[سورة الأنعام آية: ١١١] ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}[سورة الأنعام آية: ١١٢] ، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[سورة الإنسان آية: ٣٠] ، ونحو ذلك من الآيات.
ولا ريب أن هذا أصل عظيم من أصول الإيمان، لا بد منه في حصول الإيمان؛ وبإنكاره ضلت القدرية النفاة، وخالفوا جميع الصحابة وأئمة الإسلام؛ ولكن لا بد معه من الإيمان بالإرادة الشرعية الدينية التي نزلت بها الكتب السماوية، ودلت عليها النصوص النبوية. وأئمة المسلمين قد أثبتوا هذه وهذه، وذكروا الجمع بينهما; وآمنوا بكلا الأصلين، وفرقوا بين لام العلة الباعثة الفاعلة، وبين لام الغاية والصيرورة والعاقبة.