للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

منه وطعنهم فيه، لأنه بما هو مودع في قلبه من الإخلاص في الدفاع عن الحق الذي يراه حقا - بادأهم بالخصومة وعاجلهم بالانتقاد، فلم يظفر برضاهم ولا حفل بتعديلهم وثناء كثير منهم، ولا زال مُقلدوا خصومه وأتباع بعض منتقديه يحتفلون يوما بعد يوم بالطعن فيه ويفرحون بالوقوف على زلة له ولو كانت متوهمة أو متخيلة أو مكذوبة، والمكذوب عليه المتوهم له أكثر بكثير مما ينتقد عليه حقيقة وواقعا … بل إن من خصومه من أتى بأغرب غرائب الدنيا في علم الرواية والإسناد حيث حكم بكفره الصراح مرات ودوّنه في كتب ومخاطبات، ومع ذلك يجيز المستجيزين من طريق هذا الكافر؛ وكذلك يفعل أهل الأهواء الذين حكموا على الأشاعرة بالضلال ثم يجيزون كتب السنة والرواية من طريق جماعة منهم وضللوا الصوفية وخلصوا إلى الحكم بزندقتهم ثم يروون الأحاديث بأسانيدهم التي تفردوا بها. ولهذه الظواهر الغريبة والاضطرابات الفكرية العجيبة تفسيرات وتأويلات عديدة أجبنا عنها في كتب ومقالات أخرى فارجع إليها.

وليس لشدة الخصوم على الحافظ أحمد بن الصديق تفسير إلا أنه رجل مؤثر بعلمه ونصاع حجته وعميق فهمه ودقيق تحقيقه وبراعة أسلوبه وتحقق صدقه في مكتوباته، ولأنه صاحب حجة ودليل، وناقض للتقليد ناقد للمقلدين، جاهر بالحق الذي يرتضيه غير مداهن في دينه ولا دنياه، ومثل هذا لا بد أن ينال به حظه من الطعن والعداء …

ولراقم هذه السطور كتاب حافل في بيان مذهبه والجواب عن آرائه، طبع قديما تحت عنوان «دفاعا عن سليل الأشراف الإمام الحافظ أحمد بن الصديق الغماري»، ذكرت فيه أقواله المنتقدة عليه وأجبت عنها بما أظنه دليلاً له فيها، من غير أن أعتقد كثيرا منها ولا أتبنى مقولاته فيها، كطعنه في بعض الأصحاب ، وفي السادة الأشاعرة، وفي المذهبية، وفي مثل شيخنا أبي العباس أحمد التجاني رض الله عَنْهُ وعنا به آمين، فليس من شيم أهل العلم ولا من خلق الصادقين غمط الحق وإنكار الجميل ولو من أهل الهفوات وأصحاب الزلات … فمعرفة قيمة الرجال والاعتراف بها لا يعني

<<  <   >  >>