للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبينه وبينه نهر، فحالت به الفرس، فانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقي جانبه الآخر متعلقًا بالركاب] (١) وشدَّ عليه مسلم بن عَوْسجة فضربه فأطار رجله اليمنى، وغارت به فرسه فلم يبقَ حجرٌ يمر به إلّا ضربه في رأسه حتى مات.

[وروى أبو مخنف، عن أبي جَناب قال: كان منّا رجل يُدعى عبد اللَّه بن عُمَير (٢) من بني عُلَيم، كان قد نزل الكوفة واتخذ دارًا عند بئر الجَعْد من هَمْدان، وكانت معه امرأة له عن النَّمِر بن قاسط، فرأى النَّاسَ يتهيؤون للخروج إلى قتال الحسين، فقال: واللَّه لقد كنت على قتال أهل الشرك حريصًا، وإني لأرجو أن يكون جهادي مع ابن بنت رسول اللَّه لهؤلاء أفضل من جهاد المشركين، وأيسر ثوابًا عند اللَّه. فدخل إلى امرأته، فأخبرها بما هو عازم عليه، فقالت: أصبت، أصاب اللَّه بك أرشد أمورك، افعل وأَخرجني معك. قال: فخرج بها ليلًا حتى أتى الحسين، ثم ذكر قصة رمي عمر بن سعد بالسَّهم، وقصة قتلة يسار مولى زياد، وسالم مولى ابن زياد، وأن عبد اللَّه بن عُمير استأذن الحسين في الخروج إليهما، فنظر إليه الحسين، فرأى رجلًا آدم طويلًا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال الحسين: إني لأحسبه للأقران قتَّالًا. اخرج إن شئت، فخرج، فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك (فقال لهما: يا أولاد الزانية! أو بكم رغبة عن مبارزة أحد من الناس، وهل يخرج إليكما أحد) (٣) إِلَّا وهو خير منكما؟! ثم شدَّ على يسار فكان كأمسِ الذاهب، فإنه لمشتغل به إذ حمل عليه سالم مولى ابن زياد، فصاح به صائح: قد رَهَقك العبد. قال: فلم ينتبه حتى غشيه فضربه على يده اليسرى فأطار أصابعه، ثم مال عليه (٤) الكلبي حتّى قتله، وأقبل يرتجز ويقول:

إِنْ تُنْكراني فأنا ابنُ كَلْبِ … حَسْبيَ بَيْتي في عُلَيمٍ حَسْبي

إنِّي إمرؤٌ ذو مِرَّةٍ (٥) وعَصْبِ … ولستُ بالخوَّار عندَ الكَرْب

إنِّي زعيمٌ لكِ أُمَّ وهبِ … بالطَّعنِ فيهمْ مُقدِمًا والضَّرْب

ضَرْب غلامٍ مُؤْمنٍ بالرَّبِّ

فأخذت أمُّ وهب عمودًا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فدأك أبي وأمي، قاتِل دون الطيِّبين ذريَّة


(١) ما بين حاصرتين سقط من ب. وكذلك الكامل لابن الأثير (٤/ ٦٦).
(٢) تحرف في المطبوع إلى: نمير.
(٣) ما بين قوسين سقط من المطبوع، وهو في أ وقريب منه في تاريخ الطبري.
(٤) في أ، ط: على ولا يصح بها المعنى. والتصويب من تاريخ الطبري وابن الأثير، فالكلبي: هو عبد اللَّه بن عمير نفسه.
(٥) فى المطبوع: ذو مروءة ولا يستقيم به الوزن. والمثبت من أ وتاريخ الطبري. والمِرّة: القوة، ومنه قوله تعالى ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾.