الفائدة الخامسة عشرة: أيضًا فيه دليل أنَّ الغضب والإنكار والتشديد في الموعظة قد يكون هو الحكمة، قال الله ﷿: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ [النحل: ١٢٥] قال بالحكمة وليس باللين، وإن كان اللين والرفق هو الأصل، لذلك غضب النبي ﷺ هنا، ومنه كما قال الله تعالى لموسى وهارون: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤]، لكن لما قال فرعون لموسى: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٠١] قال له موسى: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٢] يعني هالكًا؛ فهذا قول فيه شدة، لكن الحال يقتضي ذلك.
الفائدة السادسة عشرة: فيه دليل لقاعدة: تزاحم الواجب مع السنة (١)، فإذا تزاحم الواجب مع السنة يُقدَّم الواجب كما يقول الأصوليون، وهنا الواجب هو عدم تنفير الناس وجمعهم في بيوت الله، وعدم إقامة الفتنة بينهم، وعدم تركهم لصلاة الجماعة، فكل هذه من الواجبات إذا تعارضت مع السنة وهي التطويل نقول يجب أن يُقدم الواجب وتُترك السنة.
الفائدة السابعة عشرة: فيه دليل على قاعدة مهمة وهي "أنَّ الأمر المتعلق بذات العبادة يقدم على الأمر المتعلق بأمر خارج"، فالخشوع أمر متعلق بذات العبادة بخلاف التطويل فالتطويل أمر زائد، فلو أدى التطويل للخروج عن الخشوع يكون الخشوع أولى.
الفائدة الثامنة عشرة: وفيه حسن بيان النبي ﷺ فإنه أوتي جوامع الكلم، فإنه أنكر على الصحابي وبين له الصواب وبين علة ما فعل، فإنه غضب عليه، وبين له سبب الغضب وهو نفور الناس، وعالج له الخطأ وأمره بالتخفيف، وبين له علة هذا الصواب، فإنَّ فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة.
(١) الإعلام في أصول الأحكام لشيخنا عبد الفتاح مصيلحي ص ٥٠ ط العلوم والحكم.