الذي جعله مثابة للزائر ومنحجراً للفاجر فانتفض الرشيد وجلس وخلا يديه عنهما وأومأ أن خذوا الرجل، فأخذ حتى قضى طوافه وصلى، ورجع إلى المنزل الذي به نزل، ودعا بالرجل فأدخل عليه شيخ جليل، فقال من أين أنت؟ قال: من مكة. قال ما اسمك؟ قال: محمد قال ابن من؟ قال: ابن أوس. قال: من قبيلتك؟ قال: بنو هلال، قال: قبيلة مشهورة، فما حملك أن كلمتني بالذي كلمتني؟ قال: إشفاقاً عليك. إذ أنضيت الركاب وأتعبت الرجال وأنفقت الأموال في أمور الله ﷿ أعلم بها، حتى إذا صرت إلى غاية الطالب وموضع ترجو فيه الرحمة اعتمدت على ظالمين طاغيين قد جبلا على الغشم، ونشئا على الظلم، وقد قال الله تعالى: ﴿وما كنت متخذ المضلين عضداً﴾، فنكس الرشيد رأسه، وأقبل ينكت في الأرض وعيناه تذرفان ثم رفع رأسه فقال: من أين مطعمك ومشربك؟ قال: من عند من يرزقك. قال من ذاك؟ قال: من عند من فلق الحب والنوى وأخرج الحب من الثرى من طعام سهرت فيه العيون، وتعبت في حصاده الأجساد، وحرسته الملائكة حتى أتاني به القدر بلا رنق ولا كدر قال: ألك عيال؟ قال: نعم. قال ومن هن؟ قال: زوجة. قال أتختلف إلى تجارة أو تحترف في صناعة؟ قال: قد كفاني الله مؤونة ذلك بالعافية. قال: أفلا أجري عليك رزقاً تستعين به على بعض أمورك وتستغني به عن الطلب من غيرك. قال: إني بالله أغنى مني بما بذلت لي من ذلك. قال: ألك حاجة؟ قال: نعم أطع الله ﷿ فيما تعلم من سرك، فإنك تصل إلى كل محبوب وتنال به كل مطلوب، ولست تبلغ شيئاً من نكاية عدوك من طاعتك لربك فإنك إن أطعته جعل ناصية عدوك بيدك، فلا تشاء أمراً إلا بلغته ولا مكروهاً به إلا نلته، قال: ألك حاجة غيرها؟ قال أتؤمنني من الموت؟ قال لا أقدر على ذلك. قال: فتجيرني من النار قال: ليست في يدي قال: فتدخلني الجنة؟ قال لست