للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبان العرب، ويرسلونها إلى القاهرة في شلف التبن على الجمال. وأشيع عن الأمير طراباي أنه كان ينشر جماعة من العربان بالمنشار من رؤوسهم إلى أقدامهم، وسلخ منهم جماعة كثيرة وراح الصالح مع الطالح حتى مهدوا البلاد، وقتل من العربان زيادة على ألفي إنسان. فمن يومئذ سكن الاضطراب الذي كان بالشرقية والغربية قليلا، وخف أمر العشير الذي كان طافشا في البلاد.

*****

وفي ذي الحجة حضر إلى الأبواب الشريفة جانم الذي كان نائب حماة وانفصل عنها، فأكرمه السلطان وأمره بالإقامة في القاهرة.

وفي ليلة عيد النحر من هذا الشهر، انتهى العمل من بناء مدرسة السلطان التي أنشأها في الشرابشيين، فعمل هناك في تلك الليلة وليمة حافلة، وحضر فيها الخليفة المستمسك بالله يعقوب، والقضاة الأربعة، وأعيان الناس من المباشرين والأمراء. وحضر في تلك الليلة قراء البلد والوعاظ، ومد أسمطة حافلة، وعمل هناك وقدة حافلة، وزينت الدكاكين التي هناك من باب زويلة إلى الشوايين، وعلقت تنانير بها قناديل موقودة، وكانت تلك الليلة من الليالي المشهودة.

وكان أصل بني أساس هذه المدرسة الطواشي "مختص" الذي كان رأس نوبة السقاة في دولة الظاهر قانصوه خال الملك الناصر. محمد فلما تسلطن قانصوه الغوري، تغير خاطره على مختص، فقبض عليه وصادره، وقرر عليه مالا له صورة، فأعطاه هذه المدرسة من جملة ما قرر عليه من المال، وكان بنى منها بعض شيء. فلما ملكها الغوري، هدم ما بناه مختص، ثم أوسع في بنائها، وأخذ سوق الجملون وما حوله من الأسواق، وتناهى في زخرفها ورخامها وبنائها، فجاءت في غاية الحسن والظرف والرونق، بحيث لم يعمر في عصرنا مثلها. ولكن شنعت عليه الناس، أن مصروف عمارة هذه المدرسة، كان من وجوه المظالم ومصادرات الناس، وأخذ غالب رخامها من أماكن شتى بأبخس الأثمان، وخرب قاعة شموال اليهودي الصيرفي، وأخذ رخامها وأبوابها، وفعل مثل ذلك بعدة قاعات. وقد سمى بعض اللطفاء هذه المدرسة "المسجد الحرام" لما وقع فيها من غصوبة الأرض، ومصروف العمارة من مال فيه شبهات. وقد شنع الناس قبله على المؤيد شيخ، لما بنى جامعه الذي بجوار باب زويلة، أكثر ما شنعوا على الملك الأشرف قانصوه الغوري، وأهل مصر ما يطاقون من ألسنتهم إذا أطلقوها في حق الناس، فكان كما قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>