للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال للسلطان: "ألبسني خلعة وأنا أضمن لك مائتي ألف دينار من غير ضرر ولا أشلة".

فانصاع السلطان إلى كلامه، وأراد أن يلبسه خلعة. فلما بلغ الأمراء ذلك شق عليهم، وكادت أن تثور فتنة بسبب ذلك، فاستدرك السلطان فارطه وأحضر ذلك الرجل المرافع وضربه بالمقارع وأمر بقطع لسانه وأشهره في القاهرة على جمل وهو عريان. فلما شق المدينة كادت العوام أن ترجمة أو تحرفه، ثم توجهوا به إلى المقشرة فسجن بها، وعد ذلك من النوادر. وكان ضربه بالحوش بين يدي الأمراء حتى أرضاهم بذلك.

وفي يوم الاثنين رابع عشره خلع السلطان على ولده المقر الناصري محمد وقرره في شادية الشراب خاناه عوضا عن أقباي الطويل بحكم وفاته، وكان ابن السلطان حديث السن وقد قامت الأمراء على السلطان حتى قرره في شادية الشراب خاناه، وكان القائم في ذلك الأتابكي قيت الرحبي والسلطان يمتنع.

ومن الحوادث أن السلطان عين شخصا من الخاصكية يقال له: نانق الخازن بأن يتوجه إلى جهة البلاد الشرقية والغربية ليستوفي على المقطعين ما كانوا أوردوه من الخراج عن اسنة التي أفردها السلطان على المقطعين. فلما توجه نانق المذكور إلى هناك ضيق على الفلاحين وفحص عن أصل خراج كل حصة وما تعمل في كل سنة من الخراج، فصارت المقطعون في وجل بسبب ذلك، ورحل غالب الفلاحين وقد طالبهم ببقية الخراج زيادة عما أورده المقطعون في بيت الأتابكي قيت الرحبي، فأرسل الفلاحون يطلبون من المقطعين الرجعات بما أوردوه ببيت الأتباكي قيت، فغرم الفلاحون لنانق المذكور جملة من المال حتى حل عنهم. وقد ضاع خراج تلك السنة أيضا على المقطعين بين الفلاحين وبين نانق المذكور، ثم آل أمر هذه الحركة إلى السكون. وقد تقدم ما وقع لأصحاب الأملاك ما يقرب من ذلك وغرموا مغرما ثانيا كما تقدم، وقد ضاق الأمر على الناس جدا.

وفيه ضرب السلطان فلوسا جددا وقد نقش عليها هيئة شباك، فوقف أمر الفلوس التي كانت قبل ذلك وصارت السوقة لا تأخذ إلا الفلوس التي منقوش عليها الشباك، فوقف حال الناس وصارت البضائع تباع بسعرين: بسعر من الفلوس الجدد، وسعر بالفلوس العتق.

وفوق هذا كله ما قرره المحتسب على السوقة من مال يردونه في كل شهر. وقد أحال السلطان بما تقرر على الحسبة لبعض الأمراء المقدمين وبعض أمراء عشراوات عوضا عن الأقاطيع، وكان ما قرر على الحسبة في كل شهر فوق الألفي دينار وقيل أكثر من ذلك، وصارت مقررة على سائر السوقة والطحانين وغير ذلك، ومن يومئذ تحسنت البضائع في الأثمان بموجب المشاهرة التي تقررت على السوقة.

*****

<<  <  ج: ص:  >  >>