البحر الذي تدخل منه مراكب الافرنج فردموه من القرابيص التي كانت هناك من الهدم القديم، فامتنعت المراكب الكبار من الدخول إلى بحر النيل من يومئذ.
ثم أن الملك الظاهر أمر بإعادة السلسلة الحديد التي كانت من البر إلى البر … قيل إن هذه السلسلة كانت في أيام المقوقس عظيم القبط ثم بطلت، فأمر بإعادتها كما كانت.
ومن هنا نرجع إلى أخبار ملك الافرنج ريدا فرنسيس، فانه لما اعتقل بدار القاضي فخر الدين ابن لقمان كاتب السر التي كانت بأرض المنصورة، وتولى عقابه الطواشي صبيح الفاطمي، صار يضربه في كل يوم خمسمائة عصا، فاستمر على ذلك إلى أن تولى الملك المعز أيبك التركماني، فأرسل إليه فرنسيس يقول له بأن يشتري نفسه منه بمائتي ألف دينار غير التقادم … فأفرج الملك المعز عنه وعن أخيه وأقاربه، وحلفوه أيمانا عظيمة بأنه ما بقى يتعدى على بلاد المسلمين، ولا يفسد في البحر والبر، فلما حلف اذن له الملك المعز بالتوجه إلى بلاده، فسار واستمر في بلاده وأرسل إلى الملك المعز ما قرره له من الأموال.
وأقام على ذلك إلى أن قتل الملك المعز أيبك وتولى من بعده ابنه الملك المنصور علي، فجاءت الأخبار من البلاد بأن فرنسيس المذكور جمع العساكر، وصنع مراكب كثيرة، وقصد العود إلى أخذ مدينة دمياط. فلما بلغ المنصور ذلك جمع الأمراء وضربوا مشورة، فاقتضى الرأي أن يرسلوا إليه مطالعة من عند السلطان بالتهديد له والحط عليه، فكتب إليه الصاحب جمال الدين بن مطروح مطالعة وضمنها هذه الأبيات: