للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمراء قدرا، وأعظم ذكرا، وكان أمير جليلا في سعة من المال، وافر الحرمة نافذ الكلمة، وكان أصله من عنقاء الظاهر جقمق، يقال أن أصله من كتابية الأشرف برسباي، واشتراه الظاهر جقمق من بيت المال، وأعتقه فصار من عتقائه، وصاهره مرتين في ابنته، وتولى عدة وظائف سنية بمصر، منها حجوبية الحجاب، ورأس نوبة كبير، ثم بقي نائب الشام في دولة الظاهر بلباي، ثم عاد إلى مصر، وتولى الأتابكية في دولة الأشرف قايتباي، سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأقام بها نحو ثلاثين سنة، وكان من مبدأ أمره رئيسا حشما، قرر في أمرية العشرة في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، ولا زال يترقى حتى كان من أمره ما ذكرناه، وقاسى شدائد ومحنا ونفى نحوا من أربع مرات، وسجن بالإسكندرية مرتين … وكان كفؤا للمهمات السلطانية والتجاريد، وقد سافر في عدة تجاريد. ويطلب الأطلاب الحافلة، وصرف على التجاريد من ماله ما لا يحصر وكان مسعود الحركات في سائر أفعاله، ذا شهامة وعلو همة، وأظهر العزم الشديد في قتال عسكر ابن عثمان، ولم يجيء في الأتابكية بعده مثله، ومات وله من العمر نحو من خمس وثمانين سنة، وخلف من الأولاد ولده الناصري محمد الذي من بنت الظاهر جقمق، وولده يحيى، وصاهره قانصوه خمسمائة في إحدى بناته، وماتت معه، فلما مات ترافع محمد ويحيى بين يدي السلطان، فوضع السلطان يده على تركته من صامت وناطق قيل وجد له من الذهب العين سبعمائة ألف دينار، خارجا عن البرك والخيول والقماش والتحف، وخارجا عن جهاز ابنته التي ماتت مع قانصوه خمسمائة وقد قوم ذلك بنحو من مائة ألف دينار، فحمل ذلك جميعه إلى الخزائن الشريفة وقد نال أزبك أمير كبير من الدنيا منالا عظيما فكان كما قيل:

أتلهو من نعيمك في قصور … وأنت من الهلاك على شفير

فيا من غره أمل طويل … يؤديه إلى أجل قصير

أتفرح والمنية كل يوم … تريك مكان قبرك في القبور؟!

هي الدنيا فإن سرتك يوما … فإن الحزن عاقبة السرور

سنسلب كل ما جمعت منها … كعارية ترد على المعير

<<  <  ج: ص:  >  >>