وتوفي في أيامه القاضي كمال الدين ابن النبيه، وكان شاعرا ماهرا وله شعر جيد، وهو الذي مدح بني أيوب بقوله من قصيدة:
دمتم بني أيوب في نعمة … تجوز في التخليد حد الزمان
والله لا زلتم ملوك الورى … شرقا وغربا وعلى الضمان
وكان الملك الكامل سعيد الحركات في أفعاله، كثير الجهاد والغزوات والفتوحات.
وفي سنة اثنتين وثلاثين وستمائة في ثاني جمادي الأولى توفي الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض رحمة الله عليه، ودفن بالقرافة الصغرى تحت العارض بالجبل المقطم.
وكان مولده بالقاهرة في رابع ذي القعدة سنة سبع وسبعين وخمسمائة، فكانت مدة حياته أربعا وخمسين سنة وستة أشهر وأياما، ولما مات دفن تحت رجلي شيخه الشيخ محمد البقال رحمة الله عليه، وكان أصله من حماة، وإنما سمى بابن الفارض لأن والده الشيخ شمس الدين كان من كبار أهل العلم، وقد انفرد في علم الفرائض، فسمى لذلك الفارض.
وكان الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض ﵁ فريد عصره في علم التصوف، وكان له نظم فائق في معاني الغراميات لم يسبق إليه. وقد عاصر من العلماء الشيخ أبا القاسم المنفلوطي، والشيخ صفي الدين ابن أبي المنضور، والشيخ شمس الدين الأيكى شيخ خانقاه سعيد السعداء، والشيخ سعد الدين الحارثي الحنبلي المحدث، والقاضي أمين الدين بن الرقاقي، والشيخ جمال الدين الأسيوطي، والشيخ شهاب الدين السهروردي ﵁، والشيخ برهان الدين الجعبري، والقاضي شمس الدين بن خلكان، والشيخ شهاب الدين بن الخيمي، وكان له نظم لطيف، وكان يطارح به ابن الفارض - والشيخ نجم الدين بن اسرائيل … وغير ذلك جماعة كثيرة من العلماء والصوفية، ولم ينكر عليه أحد منهم في حالاته ولا نظمه، وكانوا معه في غاية الأدب.
ومما وقع للشيخ شرف الدين عمر بن الفارض أنه كان مقيما بجامع الأزهر، فأراد يوما أن يتوجه إلى جامع عمرو بن العاص الذي في مصر العتيقة، فأحضروا إلى الشيخ مكاريا ليركبه إلى جامع عمرو، فقال أصحاب الشيخ للمكاري:"كم لك من هنا إلى جامع عمرو؟ ". فقال المكاري:"خلوا الشيخ يركب معي على الفتوح". فقال الشيخ:"نعم نركب معك على الفتوح". فركب معه الشيخ وتوجه إلى جامع عمرو، فلما كان في أثناء الطريق لقي الشيخ بعض أعيان الناس فترجل له عن فرسه فسلم عليه ثم أرسل إلى الشيخ مائة دينار مع غلامه، فقال الشيخ: "ادفعوا هذه المائة إلى المكاري، فانا ركبنا معه على