لذلك. فاتفق أنه سكر يوما وأتى إلى منزله، فوجد جواريه واقعات في بعضهن، وتقاتلن قتالا مهولا، فحنق منهن، فضرب جارية حبشية منهن على ضلعها، فجاءت الضربة صائبة فماتت الجارية من وقتها، وكان معه منها أولاد، وكادت الأشلة تقوم عليه من الناس من أهل الحارة لأجل ذلك، فطلع إلى ملك الأمراء وقص عليه القصة بأمر تلك الجارية واعترف بقتلها، فغضب عليه ملك الأمراء ورسم بمسكه، ثم أرسله عند الوالي، فركب الوالي وتوجه إلى بيت الخواجا محمود ليكشف عن أمر تلك الجارية كيف قتلت، فوجد الخواجا محمودا كان ظالما عليها، وقمد قتلها بغير ذنب، وقد شهد أهل الحارة أنه يسكر كل ليلة ويعربد في الجواري، فطلع الوالي إلى ملك الأمراء وأخبره بسيرته القبيحة، وأنه عاش على غير الطريق وأثخن جراحاته عند ملك الأمراء، فرسم بسجن الخواجا محمود في العرفانة، وقيل: إنه سأل ملك الأمراء أن يدفع إليه ألف دينار فأبى من ذلك، ولو أن الخواجا محمودا أرضى الوالي بمائة دينار، وستر عليه هذه الكائنة، ما وصل الأمر إلى ذلك، ولكن اتسعت هذه الواقعة إلى الغاية.
وأشيع أن ملك الأمراء طلب منه عشرة آلاف دينار، وهذا كله آفة الربا الذي كان يأخذه من الناس، فإنه كان يقرض الألف دينار بألف وخمسمائة دينار، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا، فختم ملك الأمراء العثمانية، فأخذ ثلاثة آلاف دينار. ثم إن ملك الأمراء تتبع أصحابه الذين كان يسكر معهم، فأخذ من كل واحد منهم ألف دينار، وكانت هذه السكرة سكرة الشوم على الخواجا محمود وأصحابه.
وفي يوم الأحد تاسع عشرية، عرض ملك الأمراء القاضي شرف الدين الصغير والشهابي أحمد بن الجيعان وشرف الدين بن عوض، وقصد ضربهم ثانيا ثم وضعهم في الحديد، ورسم للوالي أن يشنق الثلاثة على أبواب بيوتهم، واحتاط بهم مقدمو الوالي، فضمنهم القاضي بركات بن موسى المحتسب إلى باكر النهار، حتى يسعوا في سداد ما كان تأخر عليهم من التقاسيط التي تأخرت في البلاد، فأخذ الشهابي أحمد بن الجيعان في أسباب بيع بيوته ورزقه وأملاكه التي كانت على بركة الرطلي، فاشتراها الأمير قاسم الشرواني بأبخس الأثمان، ولم يبق بيد الشهابي أحمد لا ملك ولا رزقة ولا بيت ولا ربع ولا دكان ولا شيء قل ولا جل.
ثم أن أخته باعت جميع ما تملكه من مصوغ وحلى، حتى باعت البسط من تحتها والطراريح واللحف والمخدات وأثاث البيت، وفعلوا مثل ذلك بسراريه وجواريه المونقات، وغير ذلك من حاشيته، وعبيده وغلمانه.