للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه قدمت الأخبار من الشام، بأن السلطان سليمان بن عثمان، أرسل إلى نائب الشام جان بردي الغزالي عساكر عظيمة، وصحبتهم ابن سوار، فأوقعوا مع الغزالي في ثاني عشري صفر، وكان بين الفريقين واقعة مهولة على حلب، فانكسر منهم وهرب إلى حماة، فتبعوه واقتتلوا معه، ففر منهم وهرب، وقصد التوجه إلى الشام، وقطع قناطر الرستني، فتبعوه فكان بين الفريقين واقعة عظيمة خارج مدينة دمشق، فقتل في تلك المعركة نحو عشرة آلاف إنسان، وقيل: أكثر من ذلك، ما بين عربان ومماليك، وجماعة من عوام الشام، وفيهم أطفال وصغار من أهل ضياع الشام، وغير ذلك ممن حضر تلك الواقعة، فكانت هذه الواقعة تقرب من واقعة تمرلنك لما ملك الشام، وجرى منه ما جرى من قتل ونهب وسبي وحرق ضياع، وما أبقوا في ذلك ممكنا، وليس الخبر كالعيان. والذي قتل تحت أرجل الخيل لا ينحصر، وآخر الأمر انكسر نائب الشام والغزالي كسرة مهولة، وقبض عليه وقتل، وحزت رأسه، وأرسلت إلى إسطنبول مع رأس جماعة من أصحاب الغزالي ممن كان من عصبته، ونهب وطاقه وبركه عن آخره، وكانت من الوقائع العظيمة التي لم يسمع بمثلها.

وكانت مدة ولايته على نيابة الشام ثلاث سنين وأربعة أشهر إلا أياما، وزال كأنه لم يكن.

وكان الغزالي عنده رهج وخفة زائدة، أهوج الطبع، ليس له رأي سديد، رهاج في الأمور ليس له تأمل، وكان ولي نيابة الشام وهو في غاية العظمة والحرمة الوافرة، والكلمة النافذة، وقد أصلح الجهات الشامية في أيامه حتى مشى الذئب والشاة سواء، كما يقال في المعنى:

يا أيها الملك الذي سطواته … في البيد يخشى ذئبها من شاتها

ولما كان بالشام التف عليه الجم الكثير من العساكر ما بين عربان جبل نابلس والكرك وغير ذلك، والتف عليه جماعة كثيرة من المماليك الجراكسة، وصاروا يخرجون من مصر في الخفية ويتوجهون إليه. والتف عليه طائفة من الأكراد والتركمان، حتى اجتمع علي اثنا عشر ألف مقاتل، وفيهم رماة بالبندق الرصاص نحو خمسمائة رام، وقيل أكثر من ذلك، فعند ذلك حدثته نفسه بالسلطنة، وثورته الجهلة فتسلطن وتلقب بالملك الأشرف، وقبلوا له الأرض هناك، وخطب باسمه على المنابر في جمعتين بدمشق، وكل ذلك عين الغلط منه، وكم من عجلة أعقبت ندامة، فكان كما قيل في المعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>