وفي شهر جمادى الآخرة وكان مستهر الشهر يوم الاثنين، طلع القضاة الأربعة وهنأوا ملك الأمراء بالشهر ثم عادوا إلى دورهم.
وفي يوم الثلاثاء تاسعه توفي طيلان رأس نوبة وقد نال من الضرب بالمقارع كما تقدم، فاستمر عليلا حتى مات، وكان من وسائط السوء، ظالما عسوفا من جملة أعوان الظلمة.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره حضر قاصد أيضا من عند الخنكار وأخبر أن الفرنج قد تحركت على الخنكار، وأرسل يقول لملك الأمراء بأن يحفظ الثغور، ويحصن ثغر الإسكندرية وثغر دمياط بالمكاحل وآلة السلاح وغير ذلك.
وفي يوم السبت عشريه طلع ابن أبي الرداد ببشارة النيل، وأخذ القاع فجاءت القاعدة ستة أذرع وعشرين أصبعا أرجح من العام الماضي بعشرة أصابع، وكانت الزيادة أول يوم خمسة أصابع، فتفاءل الناس بذلك.
وفي يوم الاثنين ثاني عشريه حضر شخص شريف من عند ابن عثمان، وزعم أنه قد قرره في نقابة الأشراف، وأظهر مرسوم الخنكار بذلك. وأشيع أن الخنكار أرسل يطلب الأصباهية بأن يتوجهوا إلى إسطنبول فأخذوا في أسباب عمل برقهم.
وفي يوم السبت سابع عشريه، خلع ملك الأمراء على القاضي عبد العظيم، واستقر به في التحدث في نصر الحسبة الشريفة، عوضا عن الزيني بركات بن موسى، وكان مسافرا نحو الصعيد كما تقدم، وكان سبب ذلك أن ابن موسى لما سافر إلى الصعيد جعل شخصا من العثمانية متحدثا عنه في الحسبة إلى أن يحضر من السفر، فضاعت أحوال المسلمين في هذه الأيام، ووقع الغلاء بالديار المصرية، وتشحطت الغلال، وعز وجود الخبز في الأسواق وتناهى سعر الأردب القمح إلى ألف درهم، وتناهى سعر البطة الدقيق إلى عشرين نصفا، وعز وجود الشعير والفول والتبن، فضج الناس من ذلك، وعز وجود الأجبان والسمن والشيرج وغير ذلك، فتوجه طائفة من التركمان إلى بيت ابن موسى، وضربوا المباشرين والرسل الذي على الباب، وهرب التركماني الذي كان يتحدث في الحسبة.
ثم أن التركمان توجهوا إلى بيت القاضي عبد العظيم، وهجموا عليه في حريمه، وأخذوه وأركبوه غصبا وطلعوا به إلى ملك الأمراء، وقالوا له: إن لم تول هذا الحسبة وإلا تحرب مصر على أيامك وتنهب المدينة عن آخرها، فما وسع ملك الأمراء إلا أن أحضر له قفطانا وأفاضه عليه، واستقر به ناظر الحسبة عوضا عن ابن موسى، فنزل من القلعة بعد العصر، وشق من القاهرة، وارتفعت له الأصوات بالدعاء من الناس، وكان