فلما تحقق سنان باشا وفائق بك أن السلطان أرسل يطلبهما، اضطربت أحوالهما وهموا بقتل ملك الأمراء خاير بك، وعلموا أن هذا كله مما كان يراسل به الخنكار يشكو له منهما فاختفى ملك الأمراء في الحريم ثلاثة أيام لم يظهر لأحد من الناس، حتى أشيع أنه هرب من القلعة، فاضطربت أحوال القاهرة، ووزع الناس أمتعتهم في الحواصل، ولهجوا بوقوع فتنة عظيمة تخرب فيها القاهرة، وتنهب عن آخرها من الأصباهية والكملية، فأقامت الناس على وجل ثلاثة أيام.
ثم طلع القاضي بركات بن موسى إلى ملك الأمراء وقال له: ارسم للوالي بأن ينادي في القاهرة للناس بالأمان والاطمئنان، والبيع والشراء، وأن الأسواق والدكاكين تفتح وأن لا أحد يكثر كلامه ولا يتحدث في شيء لا يعنيه، ومن تكلم في شيء لا يعنيه يشنق من غير معاودة، فطاف الوالي في القاهرة وأشهر النداء بذلك.
وصار ملك الأمراء على رأسه طيرة من الأصباهية فبنى حائطا تجاه باب الستارة وصارت الإشاعات قائمة بوقوع فتنة عظيمة من الأصباهية، وكانت عدتهم نحو ألفي إنسان غير الكملية، وصاروا يركبون في كل يوم ويقفون في الرميلة، ويسبون ملك الأمراء سبا قبيحا ويهمون بالهجوم عليه.
وفيه قدمت الأخبار من الشرقية بقتل شيخ العرب علي الأسمر بن أبي الشوارب، وقد احتال عليه كاشف المنوفية وعزم عليه، وأسكره وهجم عليه داوداره فقتله بغتة ولعب فيه بالسيف، فلما جرى ذلك خاف شيخ العرب حسام الدين ابن بغداد على نفسه، فاختفى مدة أيام، وقد قوى عزم المماليك الجراكسة من حين قتل الأمير أينال كاشف الغربية حسن بن مرعي وشكرا أخاه.
وفيه تغير خاطر ملك الأمراء علي يونس الجلبي، قيل: إن أصله فلاح من الشرقية، فبقي أستادارا وكان له مقدار عند ملك الأمراء بسبب انسحاب المال على الجامكية، فبطحه في الحوش وضربه ضربا مبرحا نحو ستمائة عصا، فنزل إلى بيته وهو مسطوح على حمار، فأقام أياما ومات من الضرب.
*****
وفي شهر ربيع الآخر، في يوم الاثنين رابعه، وقعت فتنة عظيمة بالقلعة بين الأصباهية والانكشارية من عسكر ابن عثمان، قتل فيها من الأصباهية شخص، وقيل: اثنان، فرسم ملك الأمراء للانكشارية بأن يقيمون بالقلعة دائما، ولا ينزلوا إلى المدينة، فبطل أمر الانكشارية الذين كانوا يجلسون على أبواب المدينة، وتشتكي الناس في خلاص الحقوق