في الأسواق، وانطلقت الألسن في حق ملك الأمراء بالكلام الفج، وقالوا له: انظر في أحوال المسلمين بنور الله تعالى وإلا يصير ذلك في ذمتك. فتنكد ملك الأمراء في ذلك اليوم إلى الغاية .. وكان صحبته الزيني بركات بن موسى المحتسب، فقاسى في ذلك اليوم من ملك الأمراء ما لا خير فيه. وقال له:"قد غفلت عن الناس حتى صارت غلوة بمصر".
ثم أن ملك الأمراء لما طلع إلى القلعة، رسم يفتح شونتين وأن تفرق على الطحانين، ففعل ذلك.
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر رمضان، أرسل ملك الأمراء أمير علم إلى بيت الأمير قايتباي، وقال له: قد رسم لك ملك الأمراء أن تدق على بابك في هذه الليلة طبلخانات وكؤوسات. فلما سمع ذلك الأمير قايتباي أرسل يقول لملك الأمراء:"أدق الطبلخانات على بابي دائما، وإلا في هذه الليلة فقط"؟ فلما عاد الجواب إلى ملك الأمراء قال: قل له في هذه الليلة فقط. فلما بلغ الأمير قايتباي ذلك لم يوافق على دق الطبلخانات على بابي ليلة واحدة حتى تضحك على الناس؟ ". وامتنع من ذلك ولم يدق الطبلخانات على بابه في تلك الليلة.
وقد بطل أمر دق الطبلخانات على أبواب الأمراء من حين دخل ابن عثمان إلى مصر وقد قلت في ذلك:
لهفي على الكاسات قد دقت على … باب بسعد أميره قد بشرا
*****
وفي شهر شوال كان عيد الفطر يوم الأربعاء، فخرج ملك الأمراء وصلى صلاة العيد في جامع القلعة وخطب به قاضي القضاة كمال الدين الشافعي، وانفض موكب العيد كأنه لم يكن، ولم يخلع فيه ملك الأمراء على أحد من أرباب الوظائف، ولا على قضاة القضاة، ولا على أحد من المباشرين ولا على الأمير قايتباي الدوادار. وبطل ما كان يعمل في يوم العيد من تلك المواكب الجليلة والخلع المتمرات، والتشاريف السنية. وبطلت تلك الطرز اليلبغاوية العراض، والفوقانيات الحرير الأخضر، وبطلت أشياء كثيرة كانت من شعار المملكة. ووقع لي في المرثية التي قلتها في مصر أبيات في معنى ذلك وهي:
لهفي على أعياد مصر كيف قد … أفنت تشاريفا بها ومتمرا
وكذا الكنابيش التي قد زخرفت … كانت تشد خيولها عند السرى