فلما تزايد هذا الأمر دخل جماعة من الناس إلى القاضي الذي جعله ابن عثمان في المدرسة الصالحية أمينا على قضاة مصر، فشكوا له من أفعال العثمانية وما يفعلونه بالناس. فلما سمع هذا الكلام ركب وتوجه إلى بيت الأمير قايتباي الدوادار، وأركبه وطل به إلى القلعة، وأخبروا ملك الأمراء خاير بك بهذه الأحوال التي تصدر من العثمانية.
ثم إن قاضي ابن عثمان أغلظ على خاير بك في القول وقال له:"انظر في أحوال المسلمين وإلا تخرب مصر عن آخرها، فقد فسدت الأحوال جدا، ومتى بلغ الخنكار هذه الأخبار يرسل يضرب أعناقنا، ويقول لنا كيف كتمتم عني أخبار مصر، وغفلتم عن أحوال المسلمين، حتى جرى فيها ما جرى".
فلما سمع ملك الأمراء خاير بك هذا الكلام وعد القاضي والأمير قايتباي إلى يوم السبت حادي عشر الشهر، فأحضر الأنكشارية والأصباهية وعرضهم، وفحص عمن يفعل هذا منهم.
ثم أن خاير بك نادى في القاهرة، بأن لا امرأة تخرج من بيتها ولا صبي أمرد، لا يتوجهون في هذا الشهر إلى السيدة نفيسة، ولا إلى مشهد الحسين، ولا إلى بين القصرين، وأن الدكاكين والأسواق تغلب بعد المغرب، ولا يمشي أحد من الناس بعد المغرب.
وفي يوم الأحد ثاني عشر المحرم، حضر من الشام من عند ابن عثمان قاصدان زعما أنهما من أعيان أمرائه، وقيل أن أحدهما أغات طائفة الانكشارية، والآخر أغات الأصباهية، فلما بلغ ملك الأمراء حضورهما نزل من القلعة ولاقاهما، وكان لهما موكب حافل، فطلعا إلى القلعة. واجتمعت الأمراء العثمانية والأمير قايتباي الدوادار وقرؤوا مطالعة الخنكار.
ثم أشيع أن ابن عثمان أرسل يطلب الأمير أرزمك الناشف أحد الأمراء المقدمين، والأمير قانصوه العادلي كاشف الشرقية، والأمير تمرباي العادلي، وأرسل يطلب جماعة من الانكشارية وجماعة من الأصباهية الذين كان قد تركهم بمصر، فكثر القيل والقال في ذلك.
فلما كان يوم الثلاثاء رابع عشره أرسل ملك الأمراء خاير بك إلى الأمير أرزمك الناشف أحد الأمراء المقدمين، والأمير قانصوه العادلي كاشف الشرقية، والأمير تمرباي العادلي وأرسل يطلب جماعة من الانكشارية وجماعة من الأصباهية الذين كان قد تركهم بمصر … فكثر القيل والقال في ذلك.
وأرسل ملك الأمراء خاير بك إلى الأمير أرزمك الناشف أربعمائة دينار وقال له: هذه نفقة السفر، فاعمل بها برقك واخرج سافر. فشكا إرزمك من ذلك وقال إيش يكفيني هذا