للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم السبت ثالث عشر رجب، الموافق ثامن مسري من الشهور القبطية، أظلم الجو ظلمة شديدة، وأمطرت السماء مطرا غزيرا حتى توحلت منه الأرض والأسواق.

وكانت الشمس في برج الأسد، فتعجب الناس غاية العجب من كون المطر جاء في غير أوانه، وكان قد بقي على ميعاد الوفاء أربع وستون أصبعا، والنيل في قوة الزيادة، فخشى الناس على النيل من النقص، وأشيع كسوف الشمس في ذلك اليوم.

وفي يوم الثلاثاء سادس عشرة تحول السلطان سليم شاه من المقياس، وأتى إلى بيت الأشرف قايتباي الذي خلف حمام الفارقاني المطل على بركة الفيل، فأقام به، فتعجب الناس لذلك كيف ترك المقياس في ليالي الوفاء وسكن في هذا المكان الذي بين الدروب، فاختلف الناس في الأقوال بسبب ذلك، ولم يعلم ما سبب تحوله من المقياس إلى هذا المكان مع وجود كثرة رغبته في إقامته بالمقياس. فلما سكن في ذلك المكان طفشت عساكره في بيوت الناس التي حول الصليبة وأعمالها، وطردوا أصحابها منها وسكنوها، فحصل للناس الضرر الشامل بسبب ذلك.

وفي يوم الخميس خامس عشرية طلع ابن عثمان إلى القعلة ودخل إلى الحمام الذي بها بالبحرة، ثم رجع إلى بيت الأشرف قايتباي، فقيل اصطفت عساكره من الصليبة إلى باب السلسلة ما بين مشاة وركاب.

وفيه وردت الأخبار من البحيرة بأن حسن بن مرعي محاصر مع الجويلي، فأرسل لهما السلطان تجريدة إلى البحيرة، وعين بها ألف عثماني من عسكره.

ومن الحوادث المهولة أن النيل المبارك توقف ليالي الوفاء على أصبع واحدة، وكان مضى من مسري ثمانية عشر يوما، فاضطربت أحوال الديار المصرية بسبب ذلك. ثم أشيع أن النيل قد نقص أربع أصابع، واستمر في ذلك التوقف ستة أيام، وقد مضى من مسري واحد وعشرون يوما، فاضطربت الأحوال بسبب ذلك. ولولا خوف السوقة من ابن عثمان لرفعوا الخبز من الأسواق، وكادوا أن ينشؤوا غلوة عظيمة. وقد توقف النيل في هذه السنة مرتين ستة أيام في أبيب وستة أيام في مسري، ولولا أن الله بعث الزيادة بعد ذلك لأكل الناس بعضهم بعضا، وقال القائل في المعنى:

لو نطق النيل قال قولا … يشفي به غاية الشفاء

قد كثر الجور فاعذروني … لما توقفت في الوفاء

<<  <  ج: ص:  >  >>