للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الملك الأشرف حسن الوجه، أبيض اللون، مستدير اللحية، ضخم الجسد، كبير الوجه، شديد البأس، مهيبا في أعين الناس، كفؤا للسلطنة، عارفا بالمملكة. وكان بطلا شجاعا مقداما على القتال، لا يكل من الحروب ليلا ولا نهارا، وكان مسعودا في حركاته، ولو طال عمره لكان يفتح غالب بلاد العراق … ولا يعرف في أبناء الملوك من يناظره في العزم والشجاعة والاقدام، وعلى هذا قد اتفق أرباب التواريخ في ترجمته.

وكان يميل إلى شرب الراح وإلى السماع الطيب، وكان كثير الانهماك على اللذات، وكان عنده معرفة بصنعة الإنشاء والتوقيع، وكان يتعاظم حتى كان يكتب في علامته على المراسيم والمربعات حرف الخاء فقط، إشارة إلى الحرف الأول من اسمه. ومنع الموقعين أن يكتبوا لأحد من الأمراء والنواب "الزعيمي"، وكان يقول: "من زعيم الجيوش غيري؟ ".

قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، كاتب السر الشريف، قبل موته: "ما رأيت ولا سمعت بأحسن من فهم الملك الأشرف خليل. ولقد كنت أحضر بالمراسيم للعلامة، فما علّم على مرسوم قط إلا وقرأه جميعه، وفهم ما فيه، بل كان يخرج علينا أشياء كثيرة من صنعة التوقيع ونرى فيها الصواب منه".

ولكنه كان من مساويه أنه نفى الملك العادل سلامش وأخاه سيدي خضر - وهما أولاد الظاهر بيبرس البندقداري - كانا في الكرك، فنفاهما الأشرف خليل إلى القسطنطينية، وقد تخيل من اقامتهما في الكرك، فأرسل الأمير عز الدين أيبك الموصلي فأخذهما من الكرك وأمهما معهما، وتوجه بهما إلى ثغر الإسكندرية، ثم أرسلهما من البحر المالح إلى القسطنطينية، فلما وصلا إلى هناك أكرمهما الأشكري صاحب القسطنطينية، وأحسن إليهما، ورتب لهما ما يكفيهما من النفقة في كل يوم.

وأما سلامش فأدركته المنية هناك فمات، فلما مات صبرته أمه في تابوت إلى أن اتفق عودها إلى القاهرة فحملته معها وهو ميت، فدفنوه بالقرافة. ومات سلامش وله من العمر نحو اثنتين وعشرين سنة.

وأما سيدي خضر فانه عاد إلى مصر كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

ومن مساوي الأشرف خليل أنه خنق سبعة من الأمراء المقدمين في ليلة واحدة كما تقدم. وكان سفاكا للدماء، قتل خلقا كثيرا من الأمراء وغيرهم.

ومن مساويه أيضا أنه كان يسمع الكلام في حق الناس بالباطل من وزيره ابن السعلوس، وكان ذلك سببا لزوال ملكه. ولكن كان عنده العدل في حق الرعية، ويقضي

<<  <  ج: ص:  >  >>