فأقام عنده في الترسيم أياما ثم توجهوا به إلى بيت القاضي كاتب السر وأحضروا له شرف الدين بن الأسيوطي الوكيل، والقاضي شمس الدين بن وحيش، ويقصدون أن يدعوا عليه بأن تحت يده ثلاثة آلاف دينار ثمن بدل عن وقف اتباعه وأن ذلك القدر تحت يده، فاعترف ابن النقيب بذكل وقال:"قد دفعت من ذلك القدر ألفين ومائتي دينار للسلطان".
وأطهر رجعة ذلك، وذكر أن باقي ذلك المبلغ فقد من حاصله، فانصرف في الترسيم إلى بيت ابن موسى يرد ثلاث آلاف دينار فقاسي من البهدلة ما لا خير فيه واستمر في الترسيم مدة حتى يرد ذلك القدر، ثم أشيع ولايته إلى القضاء أياما وخمدت هذه الإشاعة كأنها لم تكن، وكان ابن النقيب أرشل قليل الحظ غير محبب للناس.
وفي يوم الاثنين رابع عشرينة كان أول يوم من الخماسين، وهو يوم فطر النصارى وعيدهم، ومن جملة لطف الله تعالى لم يقع في هذه السنة طاعون بمصر.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينة نزل السلطان إلى الميدان وساق قدامه الرماحة كما يسوقون عند دوران المحمل في رجب، وكان الشريف بركات أمير مكة حاضرا عند السلطان، فلما مضى أمر الرماحة دخل السلطان هو والشريف بركات إلى البستان الذي بالميدان ومد له أسمطة حافلة.
وفيه عين السلطان شخصا من الخاصكية يقال له جانم بأن يتوجه إلى سليم شاه بن عثمان ملك الروم ويكشف عن أخباره هل هو يقصد أن يمشي على بلاد السلطان أم على بلاد الصفوي، فإن الإشاعات كانت كثرت بمشي ابن عثمان على بلاد السلطان، فخرج جانم هذا بسبب ذلك، وقيل لأجل أقارب السلطان الذين أتوا من بلاد جركس وأسرهم بعض ملوك التتر، فتوجه جانم ليشتريهم من ملك التتر بمبلغ له صورة.
وفي يوم الخميس سابع عشرينة فيه أكمل السلطان أمر النفقة، واستمر مصمما على عدم إعطاء النفقة للمماليك القرانصة والسيفية وأولاد الناس، ثم في أثناء ذلك اليوم نادى السلطان في القاهرة بأن المماليك الذين أخذوا النفقة يعملون يرقهم ويكونون على يقظة فإن التجريدة عمالة إلى حلب، فلما سمع العسكر ذلك اضطربت أحوالهم.
وفي ذلك اليوم رسم السلطان بشنق شخص من أولاد الناس كان عائقا مجرما وله عدة قتلاء، فشنق على باب الدرب الذي في السبع سقايات.
وفي يوم الأحد سلخ هذا الشهر نزل السلطان وتوجه إلى نحو قبة يشبك الدوادار التي بالمطرية وأقام بها إلى أواخر النهار ثم عاد إلى القلعة من يومه.