وفيه أرسل السلطان للخليفة المنفصل المستمسك بالله يعقوب والد المتوكل على الله، وقد تذكره السلطان، فأرسل إليه نفقة خمسمائة دينار على يد الأمير طقطباي نائب القلعة، ورسم بأن أحدا لا يكلفه بشيء. فلما نزل إليه الأمير طقطباي قال له:"السلطان يسلم عليك ويقول لك ادعو له وابري ذمته ولا تؤاخذه بما وفع منه في حقك".
فكان في حظ نفس، فقال له:"والله أنا داعي للسلطان وخاطري طيب عليه وما حصل منه إلا خير". وقد تقدم القول على أن السلطان لما ترافع سيدي خليل مع الخليفة يعقوب تعصب السلطان لسيدي خليل وقال للخليفة يعقوب:"أنت ضعيف النظر فلا تصح ولايتك على المسلمين". وكسر بخاطره وغرمه مالا وخلعه من الخلافة بغير ذنب كما تقدم ذكر ذلك، فلما حصل للسلطان هذا العارض في عينه ظن أن ذلك بخطيئة الخليفة يعقوب، فأرسل الأمير طقطباي نائب القلعة وأحد الأمراء المقدمين يتعطف بخاطره ويسأله له الدعاء وأرسل إليه خمسمائة دينار … فعد ذلك من النوادر.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه أنفق السلطان على أولاد الناس والتراكمة الذين في الطبقة الخامسة المستجدة، فأعطى لكل مملوك عشرة أشرفية، وأعطى لجماعة منهم ثمانية أشرفية، وأنفق عليهم النفقة مع الجامكية، وفي ذلك اليوم فرق السلطان على مماليكه أتراسا وخوذا وكثرت الإشاعات بوقوع فتنة كبيرة.
*****
وفي جمادى الآخرة طلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، وكان السلطان بالميدان، ففرق في ذلك اليوم على جماعة من المماليك القرانصة خيولا نحوا من ألف فرس، وذلك لمن كان له فرس في الديوان مدونا ومات.
وفي يوم الخميس ثانيه خرج الأمير أقباي الطويل أمير آخور ثاني الذي عينه السلطان بأن يتوجه قاصدا إلى سليم شاه بن عثمان ملك الروم، فخرج بطلب حافل، وهذا قط لم يتفق لقاصد قبله أنه خرج على هذه الهيئة الجميلة حتى عد ذلك من النوادر، فشق ذلك الطلب من داخل الميدان حتى نظر إليه السلطان وهو جالس في المقعد الذي بالميدان.
وفيه حضر قانصوه العادلي كاشف الشرقية وصحبته شخص من أولاد شيخ العرب ابن قرطام يسمى صالح، وهو من بني حرام، فسلخ جلده وحشاه تبنا، وأركبوه على فرسه وألبسه زمطه على رأسه وألبسه كبرة حرير، وكان شابا جميل الهيئة فتأسف عليه الناس، فلما عرضه على السلطان شق ذلك عليه ولم يكن يرسم بسلحه قبل ذلك، فلما جرى ذلك