ومن العجائب أن هذه الطواعين التي ذكرناها يستمر الطعن فيها عمالا حتى تنزل النقطة ويزيد النيل، وقد تناهت فيه ورقة التعريف إلى ثلاثمائة وخمسة وستين إنسانا ممن يريد التعريف.
وفي يوم الأربعاء المقدم ذكره نزل السلطان وتوجه إلى العمارة التي أنشأها في المطرية وكشف عليها، ثم عاد ودخل من باب النصر وشق من القاهرة، ثم طلع إلى مدرسته وكشف عن القبة التي بها، وقد تقدم القول على أنها قد تشققت وآلت إلى السقوط فأمر بهدمها عن آخرها، وقد رممها ثلاث مرار ولم يفد من ذلك شيئا، فلما شق السلطان من القاهرة أسمعته العوام الكلام بسبب تشحيط الخبز وغلو الدقيق، وكان القمح الجديد قد وصل وأشيع بين الناس أن السلطان بيشتري القمح ويرسله إلى الشام فإنه كان بها غلاء عظيم، حتى قيل وصل فيها كل أردب قمح إلى سبعة أشرفية، وكذلك حلب أيضا، فكان يشتري القمح من مصر ويرسله إلى البلاد الشامية، فانشطحت القاهرة من الخبز والدقيق بسبب ذلك وكادت أن تكون غلوة مع وجود القمح الجديد، فلما شق السلطان من القاهرة تسيبت عليه العوام بالكلام المنكي وقالوا له جهارا:"الله يهلك من يقصد الغلاء إلى المسلمين" فسمع ذلك بأذنه فتنكد فيذلك اليوم وطلع إلى القلعة من بين الدروب ولم يشق من باب زويلة.
وفي يوم الأحد ثامن عشره توفي الرئيس الأصيل العريق، وهو سليمان بك بن أحمد بك بن السلطان أبو يزيد بن عثمان ملك الروم، فلما بلغ السلطان وفاته تأسف عليه فإنه كان حسن الشكل جميل الهيئة، وكان حضر إلى مصر فرارا من عمه سليم شاه لما تولى على مملكة الروم، وقد تقدم القول على ذلك، فتوفي ببولاق في المكان الذي أنزلوه به فأخرجت جنازته من هناك، ومات بالطاعون، فصنع له السلطان كفارة قدام جنازته، وأخرجوا قدام جنازته خيوله وهي مقصوصة الأذناب وقد قلبوا سروجها، ووضعوا عمامته على نعشه، وكسروا أقواسه ووضعوها على نعشه، وهذه على طريقة بلادهم، فنزل السلطان وصلى عليه، وعاتب الأمراء الذين لم يمشوا قدام جنازته من بولاق، ثم توجهوا به إلى الصحراء فدفنوه في تربة البجاسي.
وفي أثناء هذا الشهر عرض السلطان محابيس الحجرة من النساء وأطلق من كان بها من النساء، وهن زوجة رمضان المهتار وسريته وقد سجنتا بسبب خوند أم الملك الناصر، وأطلق تحفة التي كانت دوادارة خوند أم الناصر، وأطلق أم معين الدين بن شمس الذي كان وكيل السلطان وجرى عليه ما جرى، وأطلق فاطمة بنت عاقولة وكانت سجنت بسبب