ومن الحوادث في غيبة السلطان قد حضر المقر علاء الدين بك أخو سليمان بك أولاد المقر الشهابي أحمد بن السلطان أبو يزيد بن عثمان ملك الروم، وكان توجه إلى زيارة بيت المقدس فلم يحضر صحبة أخيه سليمان بك لما حضر، فأنزلوه عندما حضر في بيت الأتابكي تمراز الذي عند القبو إلى أن يحضر السلطان.
فلما توجه السلطان إلى الفيوم وجدها خرابا وشرق غالبها، وقد تقطع الجسر الذي بها، فلم يقم بها السلطان سوى ليلة واحدة، ورسم للأمير أرزمك الناشف أحد الأراء المقدمين بأن يقيم هناك حتى يعمر الجسر الذي بها، ثم أن السلطان رسم له بأن يفرد على البلاد التي هناك من اقطاعات ورزق على كل فدان طين عشرة أنصاف، وقيل: أفرد معلى المقطعين هناك ثلث ما لهم من الخراج، فحصل للمقطعين بسبب ذلك غاية الضرر.
وكان قبل ذلك رسم السلطان بعمارة جسر أم دينار الذي بالجيزة، فندب إلى عمارته الشرفي يونس نقيب الجيش وشخصا آخر من المباشرين يقال له جمال الدين، فأفردوا على البلاد والرزق والاقطاعات التي هناك في أقليم الجيزة الثلث من الحراج، فحصل للمقطعين الضرر الشامل، وصار يتعسف معهم ويستخرج منهم المال، وصار السلطان يعوق جوامك المماليك الذين لهم إقطاعات في إقليم الجيزة بسبب عمارة هذا الجسر، فما أبقى نقيب الجيش في ذلك ممكنا من باب المظالم، لا سيما شدة عسفه في المظالم السلطانية.
ثم جاءت الأخبار بأن السلطان قد قصد العود من الفيوم، فخرج إلى تلقيه أمير المؤمنين وهو المتوكل على الله محمد فلاقاه من دهشور وهي بلد الخليفة، فأقبل عليه السلطان ورحب به وبالغ في إكرامه وتعظيمه وألبسه سلاري صوف فستقى بسمور من ملابسه، قيل إن مشتري سموره ثلثمائة دينار.
وكان الخليفة لما توجه السلطان إلى الفيوم مر من على دهشور بلد الحليفة فقدم إليه الخليفة مهارة وأغناما وأبقارا وأشياء كثيرة من دجاج وأوز ومن أنواع الأكل قدور عسل نحل وجرر لبن وغير ذلك أشياء كثيرة، فشكر له ذلك.
ثم إن السلطان أتى إلى الوطاق الذي تركه منصوبا تحت الأهرام ومضى إلى الفيوم، فلما نزل بالوطاق تسامعت به الناس فتوجه إليه قضاة القضاة، وهم كمال الدين الطويل الشافعي ومحيي الدين يحيى الدميري المالكي والشهاب أحمد الشيشيني الحنبلي، وخرج إليه غالب أعيان الناس، فنزل السلطان بالوطاق يوم الأربعاء سادس عشرينة، فأقام به يومي الأربعاء والخميس وأحرق هناك إحراقة نفط ثانية.