تلك الليلة بمن فيها من الناس، وكانت ليلة كثيرة الاضطراب ماجت فيها الناس وخرجت البنت في خدرها حتى تنظر وقدة السلطان وحراقة النفط، فأقام السلطان في المقياس يوم الأربعاء ويوم الخميس إلى بعد العصر ثم طلع إلى القلعة، وكان ولده المقر الناصري محمد صحبته وغالب الأمراء، وقد نظمت هذه القصيدة في هذه الواقعة حيث أقول:
لم يسمح الدهر فيما جاد من فرج … كليلة سمحت للأشرف الغوري
فإن ترد وصفها أنشدت مرتجلا … في وقدة الليلة بالأملاك والدور
من بر مصر ومقياس يقابله … كان التقابل بين النور والنور
حاكت مصابيحها ضوء النجوم إذا … ما أزهرت بالدجى في ليل ديجور
وكم رأينا قلاعا في ذخائرها … صوارخ بضياء في الجو منشور
كواكب النفط قد حاكت لنا قمرا … بضوء زهر بدا في الماء منشور
قلوب أزياره صارت مفرقعة … من وهج نيرانها في زي مقهور
وصوت باروده مثل الرعود إذا … ما صرخوه يحاكي نفخة الصور
وضاق رحب الفضا في البحر من سفن … لما بدت في ازدحام كل شختور
وكم سمعنا مغن صوته طرب … يشدو على آلتي عود وطنبور
قالت لنا روضة المقياس ذا عجب … هل بعد يوم الوفا جبر لمكسور
تاريخ سلطاننا فاق الملوك إذا … تفاخروا فهو تاج الكل بالدور
حفت عساكره من حوله زمرا … فكم سبا جمع أحزاب على الفور
لو عاش من أنشأ المقياس قال له … الآن أنت علينا خير مشكور
فلا الرشيد ولا المأمون ناسبه … في أمره ناهيا عن كل منكور
فالله يبقيه في عز وفي شرف … أعيذه من شرار الناس بالطور
ما غرد الطير في روض وناشده … على الغصون هزار حول شحرور
محمد بن إياس نظمه درر … وقد أضاءت بمدح الأشرف الغوري
ثم الصلاة على المختار ما طلعت … شمس الضحى واستنار الأفق بالنور
وفي يوم الجمعة ثالث عشرينة خلع السلطان على ناظر الخاص وخرج على الهجن وسافر إلى مكة، وخرج صحبته جماعة من مصر يرومون الحج.
وفي يوم الخميس رابع عشرينة توفي قراكز الشريفي الفهلوان أحد الأمراء العشراوات، وكان غير مشكور السيرة.