لحما طريا، وشهد عليه الناس أنه في كل يوم يتوجه إلى الصحراء وينبش قبور الموتى الحدد ويأخذ لحمهم وعظمهم يبيع ذلك على الفرنج. فلما تحقق السلطان ذلك أمر بشنقه، فسمروه على جمل وأشهروه في القاهرة حتى أتوا به إلى داره بالقرب من دار البطيح فشنق هناك، وكان له يوم مشهود.
وقد تقدم مثل هذه الواقعة بعينها في دولة الأشرف برسباي، وذلك أن رجلا أعجميا كان بمصر ينصب على النساء والأطفال ويقتلهم وينزع لحمهم عن عظمهم، ويبيع اللحم على الفرنج كل قنطار بخمسة وعشرين دينارا، فلما غمز عليه قبض عليه السلطان وأشهره في القاهرة وقطع يديه وعلقهما في رقبته ثم وسطه، وكان ذلك في سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره نزل السلطان من القلعة وتوجه من بين الكيمان إلى أن وصل إلى السواقي التي في الهد، فنزل من هناك في الغراب الذي عمره، ثم انحدر إلى المقياس وطلع إلى القصر الذي أنشأه على بسطة المقياس، ثم أن السلطان عزم هناك على الأمراء قاطبة من المقدمين والطبلخانات والعشراوات وغالب العساكر، فنصب الأمراء لهم خياما على شاطئ البحر الذي تجاه بر الجيزة، فبات السلطان تلك الليلة في المقياس هو والأمراء قاطبة، فمد له هناك القاضي كاتب السر محمود ابن أجا أسمطة حافلة، وما أبقى في ذلك ممكنا من أطعمة فاخرة وحلوى وفاكهة وسكر حريف وأقسماء وبطيح صيفي وأجبان مقلي في الطواري، وعم ذلك على سائر الأمراء قاطبة، وممن كان صحبة السلطان من المباشرين وأرباب الدولة، فألبسه السلطان هناك كاملية مخمل أحمر بسمور من ملابيسه، وشكر له السلطان ما صنعه من ذلك … فكان مصروف تلك الأسمطة نحوا من سبعمائة دينار، وعزم السلطان هناك على القضاة الأربعة وأعيان الناس، واجتمع هناك قراء البلد قاطبة والوعاظ.
ثم أن السلطان أوقد في قاعة المقياس وقدة حافلة باطنا وظاهرا، وعلق أحمالا بقناديل في القصر الذي أنشأه على شرفات المقياس، قناديل في أحمال وأمشاط، حتى أوقد جامع المقياس والمئذنة، ثم أن سكان بر مصر وبر الروضة علقوا في بيوتهم القناديل في الأحمال والأمشاط بطوب البرين، حتى أوقدوا المربع الذي أنشأه السلطان للسواقي تجاه بر الروضة، ثم أحضر السلطان المركب الكبير الغليون الذي عمره وصرف عليه نحوا من عشرين ألف دينار فأرسلوا به قبالة المقياس، وصنعوا له ثمانية مراس في البحر، وعلقوا في صواريه القناديل في الأمشاط، فكان الذي وقد في المقياس تلك الليلة خمسة قناطير زيت وعشرة آلاف قنديل.