وفي جمادي الآخرة تغير خاطر السلطان على الزيني بركات بن موسى المحتسب، وسبب ذلك أنه حصل بينه وبين الجمالي يوسف البدري الوزير تشاجر بحضرة السلطان، فخرج الزيني بركات علي البدري في القول قدام السلطان وأساء عليه. فحنق السلطان من الزيني بركات وأمر بالقبض عليه، ووكل به ألماس دوادار سكين وشخصا آخر من دوادارية السكين، فأطلعوه إلى طبقة الحوش، ورسم له السلطان بأن يقيم له حساب أربع سنين عن الجهات التي كان يتكلم عليها، فاستمر في الترسيم ثمانية أيام وهو في كل يوم يدفع إلى ألماس ورفيقه مائة دينار، ولم يجسر أحد من الأمراء أن يكلم السلطان في أمره.
فلما كان يوم السبت تاسع هذا الشهر أفرج السلطان عن الزيني بركات وألبسه كاملية صوف بسمور، ونزل من القلعة في موكب حافل، ومعه جماعة من أرباب الدولة، فزينت له القاهرة ووقدت له الشموع والقناديل على الدكاكين، وتخلق الناس بالزعفران، حتى زينت له بيوت بركة الرطلي بالشدود الحرير الأصفر والكوامل الحرير الملون فعلقت في الطيقان، وانطلقت له النساء بالزغاريت ولاقته الطبول والزمور ومغاني النساء، وكان ساكنا ببركة الرطلي في أيام النيل، وكان الزيني بركات محببا للناس في أيام ولايته على الحسبة، ولما قبض السلطان عليه رثى له الناس، وكانت الأعداء شنعت عليه أن السلطان يقصد شنقه مثل علي بن أبي الجود، فنجاه الله تعالى من ذلك، وقد هنيته لما خلص بهذين البيتين وهما:
تاب إليك الدهر مما جنى … من فعله في حكمة الجاير
فما نجا من شر كيد العدا … سوى الفتى المحتسب الصابر
وقيل إن السلطان قرر عليه نحوا من ثلاثين ألف دينار، وقيل: أربعين، يقوم بشيء من ذلك في كل شهر على الجوامك.
ومن الوقائع الشنيعة أن الوالي قبض على شخص من الأتراك يقل له دمرداش، وكان مشدا على دار البطيخ التي بباب النصر، وقد غمز عليه أنه ينبش على القبور ويأخذ رؤوس الموتى ولحمهم ويبيع ذلك للفرنج يعملون منه المومية، وقيل السم، فلما قبضوا عليه وجدوا عنده من عظام الموتى أشياء كثيرة من جماجم وأعضاء، فحملوا ذلك في قفاف على حمير وطلعوا بها إلى السلطان حتى شاهد تلك العظام. فلما وقف دمرداش المذكور بين يدي السلطان، سأله عن أمر هذه الجماجم، فقال: هذه من قبور النواويس يأتيني بها العربان فأصنع منها المومية وأبيع ذلك في بلاد الفرنج، ثم وجدوا على العظام