وتوجهوا بالبقية إلى إسطبلاتهم، فلما بلغ الوالي ذلك ركب وهجم على أولئك المماليك وقبض عليهم أجمعين، فلما عرضوا على السلطان ضرب المماليك ضربا مبرحا حتى كادوا يهلكون ورسم بسجنهم في المقشرة، وكان عرضهم يوم الجامكية فرسم السلطان لكاتب المماليك أن يدفع جامكية المماليك إلى تلك النسوة في نظير ما شوش عليهن المماليك، فدفعوا لكل امرأة ألفي درهم، فعد ذلك من النوادر الغريبة.
وفي يوم الثلاثاء سلخه وقعت طبقة الحوش، فقتل تحت الردم خمسة من المماليك وتعطب آخرون منهم، وكانت حادثة مهولة.
*****
وفي جمادى الأولى في ثانيه قرأ السلطان ختمة في المقياس، ومد هناك أسمطة حافلة، وحضر القضاة وأعيان الناس، وسبب ذلك أن البحر سلسل في الزيادة وقد مضى من مسري ستة عشر يوما ولم يف، فلما توجه القضاة إلى هناك زاد النيل تلك الليلة ثماني أصابع، ثم في الليلة الثانية زاد خمسة عشرة أصبعا، واستمرت الزيادة عمالة حتى أوفي في العشرين من مسري، وفتح السد في الحادي والعشرين من مسري الموافق لثامن جمادى الأولى، وقد تأخر الوفاء عن العام الماضي سبعة أيام، فلما أوفي توجه الأتابكي قرقماس وفتح السد على العادة، وكان يوما مشهودا، وكان هذا آخر فتح الأتابكي قرقماس للسد، وقد مات في أواخر هذه السنة كما يأتي الكلام على ذلك في موضعه
وفي يوم الأحد ثاني عشره توفي قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة صلاح الدين أحمد بن محمد بن بركوت المكيني، وكان عالما فاضلا رئيسا حشما تولى مشيخة الخشابية والشريفية، ثم سعى في قضاية القضاة بثلاثة آلاف دينار فأقام بها شهرين وأربعة عشر يوما وسعى عليه محيي الدين بن النقيب فعزل، فلما عزل حصل له غاية القهر فاعتل ومات، فكان بين عزله وموته شهران واثنا عشر يوما فمات قهرا لا محالة، وكان له من العمر نحو من ستين سنة، فجاءه القضاء الأكبر وفاته القضاء الأصغر، كما قيل: