ومن النوادر أن شخصا من الناس، قيل هو بواب جامع الحاكم، طلع إلى السلطان وذكر له أنه رأى في المنام قائلا يقول له قل للسلطان إن في جامع الحاكم في بعض دعائمه دعامة تحتها دنانير ذهب لا ينحصر عددها. فلما سمع السلطان ذلك مال لكلامه، وظن أنه حق، فأرسل الأمير خاير بيك الخازندار، وبركات بن موسى، وجماعة آخرين من أخصائه، وأخذوا معهم جماعة من المهندسين والبنائين، وأحضروا ذلك الرجل القائل وقالوا له:"أرنا الدعامة التي تحتها الذهب". فقال:"لا أعلم أيها الدعامة التي تحتها الذهب". فقال المهندسون:"ما يظهر حتى نهدم جميع الدعائم التي هنا".
فاجتمع في ذلك اليوم الجم الغفير من الناس بالجامع، وكثر القال والقيل في ذلك، وكذبوا ذلك الرجل. ثم شاوروا السلطان على هدم دعائم الجامع، فلم يوافق على ذلك، ورجع عن هذا الأمر من قريب … وقد وقع مثل ذلك في دولة الملك الأشرف برسباي، وفي أيام الظاهر جقمق والظاهر خشقدم، ونزل الأمير خاير بيك الخازندار إلى هناك .. ثم وقع مثل ذلك في دولة الأشرف قايتباي، ولم يظهر من هذه القضية نتيجة قط، ولم يفد من هذا الكلام شيء.
وفي ثالث عشرينه حضر مبشر الحاج، وأخبر بالأمن والسلامة، وقد جد في السير حتى وصل في هذه المدة اليسيرة.
وفيه وقع تشاجر بين أنصباي حاجب الحجاب، وبين الأمير نوروز أحد الأمراء المقدمين، فوصل أمرهما إلى السلطان، فأنصف السلطان أنصباي على نوروز. وكان سبب ذلك أن ربعا بجوار قنطرة الموسكي، وهو بالقرب من بيت نوروز، وكان يسكن به بنات الخطأ يعملن الفاحشة، فقصد أنصباي حاجب الحجاب كبس ذلك الربع، وكان الربع للأتابكي أزبك، فتوجه إليه دوادار أنصباي وجماعة من النقباء، فلما وصلوا إلى هناك، ثارت عليهم غلمان نوروز وعبيده، فضربوا جماعة حاجب الحجاب، ومنعوهم من كبس ذلك الربع. فلما بلغ أنصباي ذلك ركب بنفسه، وكبس ذلك الربع، وضرب النساء اللاتي كن به، وأشهرهن في القاهرة على حمير، فطلع نوروز وشكا انصباي إلى السلطان فحط السلطان على نوروز وقصد الإخراق به وانتصف عليه أنصباي.
وفيه وقعت زلزلة خفيفة بعد العشاء ولم يشعر بها أحد من الناس إلا القليل.
وفي هذه السنة صار السلطان يعمل غالب المواكب بالميدان، وأبطل لبس الشاش والقماش في المواكب، وصار لا يلبس إلا في يوم الجمعة فقط عند صلاة الجمعة وفي