الناصري محمد بن الخليفة، وقال له "وأنت ما تصح خلفك صلاة لأنك ما تحسن قراءة الفاتحة"، وكان خليل ألثغ لا ينطق بحرف الراء، ثم ألزمه السلطان بأن يقرأ بحضرة القضاة فلما قرأ تعفش في القراءة بين الناس، ثم سكت ولم يكمل قراءة الفاتحة، وانفض المجلس مانعا وكان مجلسا مهولا، فقال السلطان:"يوم الاثنين نعقد مجلسا في أمر من يصلح للخلافة". فقام الخليفة يعقوب والقضاة على أن الميعاد يوم الاثنين، وقد ترشح أمر الناصري محمد ابن الخليفة يعقوب ليلي الخلافة عوضا عن أبيه، وكان السلطان محطا على الخليفة يعقوب، رائما منه مالا، كما سيأتي الكلام على ذلك.
وفي يوم السبت ثانيه توفي الأمير أزبك اليوسفي المعروف بفستق، وكان أصله من مماليك الظاهر جقمق، وقرر في تقدمة ألف في دولة الناصر محمد بن الأشرف قايتباي، وكان شاخ وكبر ومات وهو في عشر الثمانين، ومات وهو طرخان، وكان له مرتب على الذخيرة حتى مات، وكان لا بأس به.
في يوم الاثنين رابعه حضر القضاة الأربعة والخليفة يعقوب وولده محمد وابن عمهم خليل، وكان الخليفة يعقوب عهد لولده محمد بالخلافة عندما حصل له ذلك في المجلس المقدم ذكره، فعرض ذلك العهد على قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل، وكان الخليفة عبد العزيز عهد بالخلافة من بعده لولده يعقوب، ثم من بعده لولد ولده محمد، فلما وقف قاضي القضاة على هذين العهدين قال:"الحق للناصري محمد بن الخليفة يعقوب".
ثم أن الخليفة قال للسلطان:"أنا قد شخت وكبر سني، وقد عزلت نفسي من الخلافة، وعهدت إلى ولدي بالخلافة، فإن شاء السلطان يوليه أو لا"، فقال السلطان:"قد وليت ولدك". وساعدته الأمراء على ذلك، فتقدم كاتب السر محمود بن أجا، واسترعى الشهادة على السلطان بولاية الناصري محمد بن يعقوب، ثم خطب خطبة بليغة وقال:"يا مولانا السلطان، نشهد عليك أنك وليت الخلافة للناصري محمد ابن الخليفة يعقوب" فقال: "نعم".
فشهد القضاة عليه بذلك.
فقام الخليفة يعقوب وودع السلطان، فأكرمه وعظمه، ونزل إلى داره، وهو في غاية العز والعظمة، وألبسه السلطان سلاري صوف أبيض بسمور من ملابيسه، وألبس سيدي خليل أيضا سلاري من ملابيسه، وألبس ولديه أيضا سلارين بسنجاب، ثم أحضروا للناصري محمد شعار الخلافة، فأفيض عليه، وتلقب بأبي عبد الله المتوكل على الله، فولاه السلطان الخلافة على أتم وجه جميل، ولم يراع من الأنام خليل … فكان السادس عشر من خلفاء بني العباس بمصر. فلما لبس الشعار جلس بين يدي السلطان، ثم أن القضاة شهدوا عليه بأنه فوض للسلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري، ما فوضه إليه