للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ومنها: [١٠٧/ب] قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١]. فتضمَّن هذا المثل ناعقًا أي مصوِّتًا بالغنم وغيرها، ومنعوقًا به وهو الدوابّ. فقيل: الناعق: العابد، وهو الداعي للصنم. والصنم هو المنعوق به المدعو. وإنَّ حال الكافر في دعائه كحال من ينعِق بما لا يسمعه. هذا قول طائفة، منهم عبد الرحمن بن زيد (١) وغيره.

واستشكل صاحب "الكشاف" وجماعة معه هذا القول، وقالوا: قوله: {إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} لا يساعِد عليه، لأن الأصنام لا تسمع دعاء ولا نداء (٢). وقد أجيب عن هذا الاستشكال بثلاثة أجوبة (٣):

أحدها: أن "إلا" زائدة، والمعنى: بما لا يسمع دعاء ونداء. قالوا: وقد ذكر ذلك الأصمعيُّ (٤) في قول الشاعر (٥):


(١) رواه ابن جرير في "جامع البيان" (٣/ ٤٩) من طريق ابن وهب عنه بمعناه.
(٢) "الكشاف" (١/ ٢١٤).
(٣) يظهر أن الثلاثة مأخوذة من "البحر المحيط" لأبي حيان (٢/ ١٠٥، ١٠٨) والثاني بنصِّه جواب أبي حيان.
(٤) ذكره الأصمعي معترضًا على ذي الرمة لا محتجًّا بقوله على زيادة (إلا)، كما يوهم كلام أبي حيان في "البحر" (٢/ ١٠٨)، وابن هشام في "المغني" (١/ ١٠١ - ١٠٢). وقد روى المرزباني في "الموشح" (ص ٢٣٧ - ٢٣٨) عن الأصمعي تخطئة أبي عمرو بن العلاء ذا الرمة، وعن المازني تخطئة الأصمعي إياه.
(٥) هو ذو الرمة، وعجز البيت:
على الخَسْفِ أو نرمي بها بلدًا قَفْرَا
انظر: "ديوانه" (٣/ ١٤١٩). حراجيج: جمع حُرجُوج، وهي الناقة الطويلة القوية الضامرة. والخَسْف: أن تبيت على غير علف. وذكر الفراء في "معاني القرآن" (٣/ ٢٨١) أنّ "تنفك" هنا فعل تامّ. ونقل النحاس في "إعراب القرآن" (٥/ ١٦٩) قول المازني: "أخطأ الأصمعي، و (ما تنفك) كلام تامّ". وعلى هذا فسَّره ابن الشجري في "أماليه" (٢/ ٣٧٣) بقوله: "فالمعنى: ما تنفصل عن جهد ومشقة إلا في حال إناختها على الخسف، ورمي البلد القفر بها. أي تنتقل من شدة إلى شدة". وانظر الأقوال الأخرى في "الخزانة" (٩/ ٢٤٧ - ٢٥٧).