للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو داود في «مسائله» (١): قلت لأحمد: الرجل يَسأل عن المسألة، فأدلُّه على إنسان يسأله؟ فقال: إذا كان ــ يعني الذي أُرْشِدَ إليه ــ يتَّبع (٢) ويفتي بالسنة. فقيل لأحمد: إنه يريد الاتباع، وليس كلُّ قوله يصيب. فقال أحمد: ومن يصيب في كلِّ شيء؟ قلت له: فرأي مالك؟ فقال: لا تتقلد في مثل هذا بشيء.

قلت: وأحمد كان يدلّ على أهل المدينة، ويدلّ على الشافعي، ويدلّ على إسحاق. ولا خلاف عنه في استفتاء هؤلاء، ولا خلاف عنه في أنه لا يُستفتَى أهلُ الرأي المخالفون لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وبالله التوفيق؛ ولا سيَّما كثيرٌ من المنتسبين إلى الفتوى في هذا الزمان وغيره (٣)!

وقد رأى رجلٌ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: استُفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم. قال: ولَبعضُ من يفتي هاهنا أحقُّ بالسجن من السُّرَّاق (٤).

قال بعض العلماء (٥): فكيف لو رأى ربيعة زماننا، وإقدامَ من لا علم عنده على الفتيا، وتوثُّبَه عليها، ومدَّ باعِ التكلُّف إليها، وتسلُّقَه بالجهل


(١) (ص ٣٧٥).
(٢) في النسخ المطبوعة: «متَّبعًا»، وفي «المسائل» كما أثبت من النسخ الخطية.
(٣) كأن المصنف بعدما كتب «وبالله التوفيق» بدا له أن يزيد «ولاسيما ... وغيره». وقد يكون زاده في طرّة مسودته، وكان موضعه قبل «وبالله التوفيق»، فأخطأ الناسخ.
(٤) رواه الفسوي (١/ ٦٧٠)، وابن عبد البر في «الجامع» (٢٤١٠)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (١٠٣٩) من طريق مالك، قال: أخبرني رجل، وفيه إبهام الرجل.
(٥) لعله يقصد ابن حمدان الحنبلي. انظر كتابه «صفة الفتوى» (ص ١١).