للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومقلِّدوه، ويُحْرَمه ابن عباس والصحابة.

الوجه الثاني والأربعون: أن صورة المسألة ما إذا لم يكن في الواقعة حديثٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا اختلافٌ بين الصحابة، وإنما قال بعضهم فيها قولًا وأفتى بفُتيا، ولم يُعلَم أن قوله وفتياه اشتهر في الباقين ولا أنهم خالفوه، وحينئذٍ فنقول: من تأمَّل المسائل الفقهية والحوادث الفروعية، وتدرَّب بمسالكها، وتصرَّف في مداركها، وسلك سُبُلَها ذُلُلًا، وارتوى من مَوْرِدها عَلَلًا ونَهَلًا= عَلِم قطعًا أن كثيرًا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأي بحيث لا يُوثَق (١) فيها بظاهر مراد، أو قياسٍ صحيح ينشرح له الصدر ويثلَج له الفؤاد، بل تتعارض فيها الظواهر والأقيسة على وجهٍ يقف المجتهد في أكثر المواضع حتى لا يبقى للظنّ رجحانٌ بيِّن، لا سيما إذا اختلف الفقهاء؛ فإن عقولهم من أكمل العقول وأوفرِها، فإذا تلدَّدوا وتوقَّفوا، ولم يتقدَّموا ولم يتأخّروا= لم يكن ذلك وفي المسألة طريقة واضحة ولا حجة لائحة؛ فإذا وُجِد فيها قولٌ لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين هم سادات الأمة وقدوة الأئمة، وأعلم الناس بكتاب ربهم وسنة نبيهم، وقد شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، ونسبةُ مَن بعدهم في العلم إليهم كنسبتهم إليهم في الفضل والدين= كان (٢) الظنُّ ــ والحالة هذه ــ بأن الصواب في جهتهم والحقُّ في جانبهم من أقوى الظنون، وهو أقوى من الظنّ المستفاد من كثير من الأقيسة، هذا ما لا يمتري فيه عاقل منصف، وكان الرأي الذي [١٨٣/أ] يوافق رأيَهم هو الرأي السَّداد الذي لا رأيَ سواه.


(١) ز: «لا يوفق».
(٢) جواب «فإذا وُجِد ... ».