للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحضر سفيان الثوري مجلسًا، فلما أراد النهوض منعوه، فحلف أنه يعود، ثم خرج وترك نعله كالناسي لها، فلما خرج عاد وأخذها وانصرف.

وقد كان لشُريح في هذا الباب فقه دقيق، كما أعجب رجلًا فرسُه وأراد أخذها منه، فقال له شريح: إنها إذا رَبَضَتْ لم تقم حتى تُقام، فقال الرجل: أف أف، وإنما أراد شريح أن الله هو الذي يُقِيمها (١).

وباع من رجل ناقةً، فقال له المشتري: كم تحمل؟ فقال: احملْ على الحائط ما شئتَ، فقال: كم تحلب؟ قال: احلُبْ في أيّ إناء شئتَ، قال: كيف سيرها؟ قال: الريح لا تلحق. فلما قبضها المشتري لم يجد شيئًا من ذلك، فجاء إليه وقال: ما وجدتُ شيئًا من ذلك، فقال: ما كَذَبتُك (٢).

قالوا: ومن المعلوم أن الشارع جعل العقود وسائلَ وطُرقًا إلى إسقاط الحدود والمأثم، ولهذا لو وطئ الإنسان امرأة أجنبية من غير عقد ولا شبهةٍ لزمه الحدُّ، فإذا عقد عليها عقد النكاح ثم وطئها لم يلزمه الحدُّ، وكان العقد حيلة على إسقاط الحد. بل قد جعل الله سبحانه الأكل والشرب واللباس حيلةً على دفع أذى الجوع والعطش والبرد، والأكْنانَ (٣) حيلة على دفع أذى الصائل من الحيوان وغيره، وعقد التبايع حيلة على حصول الانتفاع بملك


(١) ذكره الخصاف في «الحيل» (ص ٢).
(٢) ذكره ابن حبان في «الثقات» (٦/ ٢٠) بنحوه.
(٣) د: «والاكنا». وفي المطبوع: «والاكتفاء»، تحريف. والأكنان جمع كِنّ: كل ما يردُّ الحرّ والبرد من الأبنية والغيران ونحوها.