للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤجّل ثم اشتراها بالثمن الحالّ، ولا غرضَ لواحد منهما في السلعة بوجهٍ ما، وإنما هي كما قال فقيه الأمة: «دراهمُ بدراهم دخلت بينهما حَرِيرة» (١)؛ فلا فرقَ بين ذلك وبين مائة بمائة وعشرين بلا حيلة البتةَ، لا في شرع ولا عقل ولا عرف، بل المفسدة التي لأجلها حرِّم الربا بعينها قائمة مع الاحتيال أو أزيد منها، فإنها تضاعفت بالاحتيال لم تذهب ولم تنقص؛ فمن المستحيل على شريعةِ أحكم الحاكمين أن تحرِّم ما فيه مفسدة وتلعنَ فاعله وتُؤذنه بحربٍ منه ورسوله وتُوعِده أشدَّ الوعيد، ثم تُبيح التحيُّل على حصول ذلك بعينه، سواء مع قيام تلك [٣٨/ب] المفسدة وزيادتها بتعب الاحتيال في مَقْتِه ومخادعة الله ورسوله. هذا لا يأتي به شرع؛ فإن الربا على الأرض أسهل وأقلُّ مفسدة من الربا بسُلَّمٍ طويل صعب المراقي (٢) يترابى المترابيان على رأسه.

فيا لله العجب! أيُّ مفسدة من مفاسد الربا زالت بهذا الاحتيال والخداع؟ فهل صار هذا الذنب العظيم عند الله الذي هو من أكبر الكبائر حسنةً وطاعةً بالخداع والاحتيال؟ ويا لله! كيف قلب الخداع والاحتيال حقيقته من الخُبث إلى الطيب ومن المفسدة إلى المصلحة، وجعله محبوبًا للرب تعالى بعد أن كان مسخوطًا له؟ ولئن كان الاحتيال يبلغ هذا المبلغ فإنه عند الله ورسوله بمكان وبمنزلة عظيمة، وإنه من أقوى دعائم الدين وأوثق عُراه وأجلِّ أصوله.


(١) رواه ابن أبي شيبة (٢٠٥٢٧) عن ابن عباس، وعزاه ابن القيم إلى مطيَّن كما سيأتي.
(٢) د: «التراقي».