للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قُصِرَ الاختلاف فيه على الذين أوتوا الكتاب فدلَّ بمفهومه على نفي الاختلاف في الحق عمَّن قبلهم، وكذا مفهومُ قوله: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: ١٩].

ولعل ذلك الاجتماع إنما كان بسبب الابتلاء، فلما نزل الكتاب بالابتلاء، وقع الاختلاف بسبب الابتلاء (١)، لا بسبب نزول الكتاب، ألا ترى أن الملائكة غيرُ مختلفين بسبب عدم الابتلاء بدليل قصة هاروت وماروت.

ولو سلمنا أن الإشارة في قوله: {ولذلك خَلَقَهم} [هود: ١١٩] إلى الرحمة لَزِمَ منه أن الضمير في خلقهم راجع إلى من رَحِمَ لا إلى المختلفين ولا إلى الجميع.

كما أنه إذا صح أن الإشارة فيه إلى الاختلاف كان الضمير راجعاً إلى المختلفين، لا إلى المرحومين الذين استثناهم الله تعالى.

وبالجملة فالضمير لا يرجع إلى جميع المذكورين قبل الاستثناء وبعده، لأن حكمهم مختلف، فالضمير ليس من ألفاظ العموم، والأمور المقدرة يجب الاقتصار فيها على الضرورة، ولا يُضْمَرُ أكثر من الحاجة، فتأمل ذلك، فإنه مفيدٌ ولله الحمد.

وعلى هذا التقدير يزولُ الإشكالُ على كل تقديرٍ، ولا يلزم أن الله تعالى أراد خلاف ما علم، لأنه إذا عاد الضمير إلى المرحومين، ووقعت الإشارةُ إليهم، فقد علم الله أنهم من أهل الرحمة وخلقهم لذلك، ولا بُدَّ (٢) من حكمة الله تعالى في الجميع، في خلق السعداء للرحمة جليةً، وفي خلق الكفار للاختلاف خفيَّةً، وما أحسن كلام المنصور بالله عليه السلام المقدم في ذلك، ويمكن أن


(١) من قوله: " فلما " إلى هنا ساقط من (أ).
(٢) تحرفت في (ش): إلى: ولأنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>