للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ حُزَّ بِالسَّيْفِ رَأْسِي فِي مَوَدَّتِهَا ... لَمَالَ يَهْوِي سَرِيعًا نَحْوَهَا رَأْسِي

فَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَلَيَّ بِالأَعْرَابِيِّ، فَأُتِيَ بِهِ، فَوُكِّلَ بِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا وَرَاءُكَ يَا سُلَيْمَانُ؟ قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا سَأَلْتَ عَنْهُ، وَجِئْتُكَ بِالْبَيْتِ.

قَالَ: هَاتِهِ، فَأَنْشَدَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَحْسَنْتَ، أَنَّى لَكَ هَذَا؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ خَبَرَ الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: حَاجَتُكَ وَلا تَنْسَ حَظَّ صَاحِبِكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ عَهْدَ الْعَهْدِ لَيْسَ بِمُقَرِّبٍ أَجَلا، وَلا تَرْكَهُ بِمُبَاعِدٍ حَتْفًا، وَقَدْ عَهِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْوَلِيدِ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَيَّ بَعْدَهُ فَعَلَ.

قَالَ: نَعَمْ، فَأَقَامَ َالْحَجُّ لِلْنَاسِ بِمَكَّةَ وَوَصَلَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَجَعَلَهَا لِلأَعْرَابِيِّ، وَهِيَ سَنَةُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: " بَيْنَمَا الْمَأْمُونُ فِي بَعَضِ مَغَازِيهِ يَسِيرُ مُنْفَرِدًا عَنْ أَصْحَابِهِ وَمَعَهُ عُجَيْفُ بْنُ عَنْبَسَةَ، إِذْ طَلَعَ رَجُلٌ مُتَخَبِّطٌ مُتَكَفِّنٌ، فَلَمَّا عَايَنَهُ الْمَأْمُونُ وَقَفَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُجَيْفٍ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، أَمَا تَرَى صَاحِبَ الْكَفَنِ مُقْبِلا يُرِيدُنِي؟ قَالَ عُجَيْفٌ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا كَذَّبَ الرَّجُلُ أَنْ وَقَفَ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: يَا صَاحِبَ الْكَفَنِ , مَنْ أَنْتَ؟ وَإِلَى مَنْ قَصَدْتَ؟ قَالَ: إِيَّاكَ أَرَدْتُ، قَالَ: وَعَرَفْتَنِي؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَعْرِفْكَ مَا قَصَدْتُكَ، قَالَ: أَفَلا سَلَّمْتَ عَلَيَّ؟ قَالَ: لا أَرَى السَّلامَ عَلَيْكَ.

قَالَ: ولِمَ؟ قَالَ: لإِفْسَادِكَ الْغَزَاةَ عَلَيْنَا.

قَالَ عُجَيْفٌ: وَأَنَا أُلَيِّنُ مَتْنَ سَيْفِي لِئَلا يُبْطِئَ ضَرْبَ رَقَبَتِهِ، إِذِ الْتَفَتَ الْمَأْمُونُ، فَقَالَ: يَا عُجَيْفُ، إِنِّي جَائِعٌ وَلا رَأْيَ لَلْجَائِعِ، فَخُذْهُ إِلَيْكَ حَتَّى أَتَغَدَّى وَأَدْعُوَ بِهِ.

فَتَنَاوَلَهُ عُجَيْفٌ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا صَارَ الْمَأْمُونُ إِلَى رَحْلِهِ دَعَا بِالطَّعَامِ، فَلَمَّا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمَرَ بِرَفْعِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُسِيغُهُ حَتَّى أُنَاظِرَ خَصْمِي، يَا عُجَيْفُ عَلَيَّ بِصَاحِبِ الْكَفَنِ.

قَالَ: فَلَمَّا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: هِيهِ يَا صَاحِبَ الْكَفَنِ، مَاذَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا أَرَى السَّلامَ عَلَيْكَ لإِفْسَادِكَ الْغَزَاةَ عَلَيْنَا.

قَالَ: بِمَاذَا أَفْسَدْتُهَا؟ قَالَ: بِإِطْلاقِكَ الْخَمْرَ يُبَاعُ فِي عَسْكَرِكَ، وَقَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ، فَابْدَأْ بِعَسْكَرِكَ فَنَظِّفْهُ، ثُمَّ اقْصِدِ الْغَزْوَ، وَبِمَ اسْتَحْلَلَتَ أَنْ تُبِيحَ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ كَهَيْئَةِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ؟ قَالَ: أَوَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا تُبَاعُ ظَاهِرًا وَرَأَيْتَهَا؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَهَا وَتَصِحَّ عِنْدِي مَا وَقَفْتُ هَذَا الْمَوْقِفَ.

قَالَ: فَشَيْءٌ سِوَى الْخَمْرِ أَنْكَرْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِظْهَارَكَ الْجَوَارِي الْعَمَّارِيَّاتِ، وَكَشْفَهُنَّ الشُّعُورَ مِنْهُنَّ بَيْنَ أَيْدِينَا كَأَنَّهُنَّ الأَقْمَارُ.

<<  <   >  >>