وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله وحده، فإذا قيل: إنه في جهة بهذا الاعتبار، فهو صحيح، ومعناه: أنه فوق العالم، حيثُ انتهت المخلوقات، فهو فوق الجميع، عال عليه، ونفاة لفظ "الجهة" الذين يريدون بذلك نفي العلوّ يذكرون من أدلتهم: أن الجهات كلها مخلوقة، وأنه كَانَ قبل الجهات، وأن من قَالَ: إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم، أو أنه كَانَ مستغنياً عن الجهة ثُمَّ صار فيها، وهذه الألفاظ ونحوها إنما تدل عَلَى أنه ليس في شيء من المخلوقات، سواء سمي جهة أو لم يسم، وهذا حق، ولكن الجهة ليست أمراً وجوديَّاً؛ بل أمر اعتباريّ، ولا شك أن الجهات لا نهاية لها، وما لا يوجد فيما لا نهاية له فليس بموجود] اهـ.
الشرح:
موضوع الجهة وما يتعلق به لا يخرج عما سبق؛ لكن لعلاقته بإثبات صفة العلو لله تَعَالَى -وهي ستأتي وقد سبقت أيضاً- فنحن نقدم للكلام فيها ببيان مذاهب النَّاس في إثبات هذه الصفة.
مذهب السلف وهو إثبات صفة العلو
المذهب الأول: إثبات صفة العلو لله سبحانة وتعالى، وصفة العلو دل عليها القُرْآن والسنة، ودل عليها إجماع السلف الصالح وتدل عليها العقول والفطر السليمة جميعاً، عند المؤمنين وعند الكفار، بل ذكر بعضهم أن ذلك حتى عند الحيوان لمن تأمل، وهو أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فوق المخلوقات.