أما الحافظ ابن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فإنه أطلق القول، وقَالَ:"ولا شك أن الرسل من الإنس "، ومما استدل به وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ [الأنبياء:٧] ومن أقوى ما استدل به قول الله - تَعَالَى - في حق إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب [العنكبوت:٢٧] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خص إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام بأن جعل في ذريته النبوة والكتاب، فالقول بأن بعد إبراهيم نبي من الجن ينافي هذا التكريم وهذا الاختصاص الذي اختص الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى به إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام.
٢) القول الراجح في هذه المسألة:
الذي يظهر أن الأمر ليس قوياً وقاطعاً بأن الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لم يبعث من الجن رسلاً، وإنما هي وجهة نظر أقوى؛ لأن الذين قالوا بها منالسلف أكثر ونحن يسعنا ما وسعهم.
فلا يعني ذلك أنه ينفى عن الجن هذا الشيء، بل يحتاج نفيه أو إثباته إِلَى دليل خارج فهذا الذي يبدو، والله تَعَالَى أعلم.
لكن نظل نَحْنُ مع ما قاله ابن عباس ومجاهد وابن جريج كما هو ظاهر سورة الأحقاف أن الله يبعث الرسل من الإنس، وأن من الجن من يستمع ذلك الوحي فينذرون أقوامهم بذلك، وأما بقية الأحكام فليس هناك فرق ولا خلاف عَلَى الصحيح بين الإنس والجن، فهم يحاسبون يَوْمَ القِيَامَةِ، ويوقفون بين يدي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كما في هذه الآية وغيرها.