وإيضاح هذا: أن الجمهور قالوا: هذا النوع من الزيادة لا تعارض بينه وبين النص الأول، والناسخُ والمنسوخ يشترط فيهما المنافاة بحيث يكون ثبوت أحدهما يقتضي نفي الآخر، ولا يمكن الجمع بينهما، فالمزيد في مثل هذا مسكوت عنه.
فإن قيل: هو مدلول عليه بمفهوم المخالفة.
فالجواب: أن الحنفية المخالفين في هذا لا يقولون بمفهوم المخالفة أصلًا، ونحن لا نقول به هنا، مع أنَّا لا نُسلِّم دلالة المفهوم عليه، فقوله تعالى:{فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور/ ٢] لا يدلُّ على عدم وجوب شيء آخر بدليل آخر، إذ ليس فيه ما يدلُّ على الحصر، فالمزيد مسكوت عنه في النص المتقدم، والزيادة رافعة للبراءة الأصلية لا لحكم شرعي منصوص بدليل شرعي، ثم تلك الدعوى إنما تستقيم لو ثبت أنه ورد حكم المفهوم واستقر، ثم وردت الزيادة بعده، وهذا لا سبيل إلى معرفته، بل لعله ورد بيانًا لإسقاط المفهوم متصلًا به أو قريبًا منه كما أشار له المؤلف.
وإيضاحه: أنَّا لا نُسلِّم أن قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} دلَّ بمفهومه على عدم التغريب، ثم استقر حكم هذا المفهوم بعدم التغريب، ثم وردت الزيادة بالتغريب بعد ذلك، حتى يقال: إنها نسخ، بل يمكن أن تكون زيادة التغريب ذكرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- متصلة بنزول آية الجلد بيانًا أنه لا مفهوم يراد به الاقتصار على الجلد دون التغريب، ويدلُّ لعدم الانفصال بينهما حديث "خذوا عني قد جعل اللَّه لهن