للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمذهب الجمهور -وهو الظاهر- أن هذا النوع من الزيادات لا يكون نسخًا؛ لأنه لم يرفع حكمًا شرعيًّا، وإنما رفع البراءة الأصلية التي هي الإباحة العقلية، وهي استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل صارف عنه، والزيادة في مثل هذا زيادة شيء سكت عنه النص الأول فلم يتعرض له بصريح إثبات ولا نفي.

وخالف في هذا الإمام أبو حنيفة -رحمه اللَّه-، فمنع كون التغريب جزءًا من الحد، وإن جاء بذلك الحديث الصحيح، قائلًا: إنَّ الجلد كان مجزئًا وحده، وزيادة التغريب دلَّت على أنه لا يكفي وحده، بل لابدَّ معه من زيادة التغريب، وهذا نسخ لاستقلال الجلد بتمام الحد، وهذا بناء على أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد؛ لأن آية الجلد متواترة، وأحاديث زيادة التغريب آحاد، والفرضُ عنده أنَّ الزيادة نسخ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد؟ فلم يقبل ثبوت التغريب بالآحاد بناء على ذلك.

ولأجل هذا بعينه لم يقل بالحكم بالشاهد واليمين في الأموال، الثابت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بناء على أنه آحاد، وأنه زيادة على آية {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة/ ٢٨٢]، وأن الزيادة على النص نسخ، وأن المتواتر لا ينسخ بالآحاد.

وكذلك قال الجمهور: إن شرط وصف الإيمان في رقبة كفارة اليمين والظهار ليس نسخًا، فيلزم القول به حملًا للمطلق وهو رقبة كفارة اليمين والظهار على المقيد بالإيمان وهو كفارة القتل خطأ.

ومنع ذلك أبو حنيفة بأن الزيادة على النص نسخ، وحمل المطلق

<<  <   >  >>