{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} يعني الدنيا، وأكد ذلك بقوله: {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥)}، وبظاهرها المتبادر منها -كما ذكرنا- فسرها ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك، كما نقله عنهم ابن جرير.
وعلى هذا فبطلان أعمالهم في الدنيا بمعنى أنها لم يُعْتَدَّ بها شرعًا في عصمة دم ولا ميراث ولا نكاح ولا غير ذلك، ولا تفتح لها أبواب السماء ولا تصعد إلى اللَّه تعالى، بدليل قوله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر/ ١٠] ولا تدخر لهم في الأعمال النافعة، ولا تكون في كتاب الأبرار في عليين، وكفى بهذا بطلانا.
أما مطلق النفع الدنيوي بها فهو عند اللَّه كلا شيء، فلا ينافي بطلانها، بدليل قوله:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ}[آل عمران/ ١٨٥]، وقوله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)} [العنكبوت/ ٦٤]، وقوله:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} إلى قوله: {لِلْمُتَّقِينَ}[الزخرف/ ٣٣ - ٣٥]، والآيات في مثل هذا كثيرة.
ومما يوضح هذا المعنى حديث:"لو كانت الدنيا تزن عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء".
ذكر ابن كثير هذا الحديث في تفسير قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة} الآيات، ثم قال: أسنده البغوي من رواية زكرياء بن منظور عن أبي حازم عن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنه-