في الآطام، وخرج حيي بن أخطب النضري حتى أتى قريظة في دارها، وسألهم أن يكونوا معهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فذكروا أن بينهم وبينه عقداً وحلفاً، فلم يزل بهم حتى نقضوه وأجابوه إلى حرب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فبعث سعد بن معاذ وجماعة معه إليه لينظروا صحة ذلك، فأتوهم فوجدوهم على أخبث مما بلغهم عنهم، فنالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمدٍ صلى الله عليه وسلم ولا عقد، فشاتمهم سعدٌ وشاتموه.
ثم أقبل بمن معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف، وأتاهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق، حتى قال معتب بن قشير: كان محمد صلى الله عليه وسلم يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون عليه بضعاً وعشرين ليلة، لم يكن بينهم حرب إلا النبل والرمي والحصار، إلا فوارس من قريش، فإنهم قاتلوا فقتلوا وقتلوا.
ولما وقفوا على الخندق قالوا: إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها؛ ويقال: إن سلمان رضي الله تعالى عنه أشار به على النبي صلى الله عليه وسلم.
ورمي سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم، فقطع أكحله، فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه؛ اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
واستشهد يومئذٍ من المسلمين ستة نفر من الأنصار، هم: أنس بن أوس ابن عتيك، وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن غنمة، وكعب بن زيد أصابه سهم فقتله، وسعد بن معاذ عاش حتى قتل النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة بحكمه واستجاب دعاءه ثم قبض شهيداً، وسيأتي ذكر وفاته.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف