للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثال تقسيمه إلى الشيء ومساوي نقيضه قولك: العدد إما زوج وإما فرد، لأن لفظة (فرد) مساوية لـ (ليس بزوج)؛ لأن العقل يحكم بمجرد النظر في حصر الأقسام في الشيء ونقيضه، إذ لا واسطة بين النقيضين البتة، وكذلك: الشيء ومساوي نقيضه، فالعقل يحكم بمجرد النظر فيهما بحصر الأقسام فيهما.

وما يزعمه بعض المتكلمين (١) من أن ما يسمونه الحال المعنوية واسطةٌ ثبوتية بين المعدوم والموجود، فلا هي موجودة على الحقيقة، ولا هي معدومة على الحقيقة، لا شك في أنه باطل، وأنه من الأوهام الخيالية التي لا أساس لها من الحقيقة.

ولا شك أن العقل الصحيح يحكم بالحصر القطعي في الشيء ونقيضه أو مساوي نقيضه كما ذكرنا.

واعلم أن التقسيم العقلي قد يتعدد فتكون الأقسام أكثر من اثنين، كقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيرِ شَيءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)} [الطور: ٣٥] فإنه يتضمن تقسيمين عقليين قطعييين، وبهما تكون الأقسام ثلاثة.

وإيضاحه أن تقول: إما أن يكون خلْقُهم صدر من خالق هو خالقهم، أو لم يصدر من خالق أصلًا، وهذا تقسيم عقلي قطعي، منحصر في النقيضين المذكورين، ثم تُقسم أحد القسمين تقسيمًا عقليًّا


(١) اشتهر بذلك منهم أبو هاشم الجبائي من أئمة المعتزلة (ت ٣٢١ هـ). انظر حول هذه المسألة "مذاهب الإسلاميين" للدكتور عبد الرحمن بدوي، ص ٣٤٢ وما بعدها.