قال الحافظ: في الحديث منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤهم لا يعرفون غيرهما، إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما، ولم يسأل عن هؤلاء الثلاثة إلا لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم. "وتوجه صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه، فاستقبله المشركون، فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته" بفتح الراء وتخفيف الموحدة، والجمع رباعيات، وهي السن التي بين الثنية والناب، والمراد أنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها، قاله في الفتح والنور، "والذي جرح وجهه الشريف عبد الله"، وسماه ابن القيم في الهدى عمرو "بن قمئة، لكن بالأول جاء حديث أبي أمامة الآتي، وبه جزم ابن هشام، "وعتبة بن أبي وقاص أخو سعد،" أحد العشرة، "هو الذي كسر رباعيته" لأنه رماه بأربعة أحجار، فكسر حجر منها رباعيته. روى ابن إسحاق عن سعد بن أبي وقاص: ما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة بن أبي وقاص لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله". وروى عبد الرزاق في تفسيره من مرسل مقسم، وسعيد بن المسيب، أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة حين كسر رباعيته ودمى وجهه، فقال: "اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا" فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار. وروى الحاكم في المستدرك بإسناد فيه مجاهيل عن حاطب بن أبي بلتعة، أنه لما رأى ما فعل قال: يا رسول الله، من فعل بك هذا؟، قال: "عتبة" قلت: أين توجه؟ فأشار إلى حيث توجه، فمضيت حتى ظفرت به، فضربته بالسيف، فطرحت رأسه، فنزل، فأخذت رأسه وفرسه وسيفه، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى ذلك، ودعا لي، فقال: "رضي الله عنك" مرتين. قال الحافظ: وهذا لا يصح لأنه لو قتل إذ ذاك كيف كان يوصي أخا سعدا، وقد يقال لعله ذكر له، قبل وقوع الحرب احتياطا، انتهى. قال ابن إسحاق: وقال حسان لعتبة: إذا الله جازى معشرا بفعالهم ... ونصرهم الرحمن رب المشارق فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ... ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق بسطت يمينا للنبي تعمدا ... فأدميت فاه قطعت بالبوارق