للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لكما يسوءك، قال: يوم بيوم، والحرب سجال.


أبي سفيان تصاونًا عن الخوض فيما لا فائدة فيه، وعن خصام مثله. وكان ابن قمئة قال لهم: قتلته "ثم رجع" أبو سفيان عن السؤال "إلى" أخبار "أصحابه،" فلا ينافي ما قيل إنه ناداهم وهو على فرسه في مكانه، "فقال: أما،" بشد الميم، "هؤلاء فقد قتلوا".
وفي المغازي فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، "فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت" والله "يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم".
قال المصنف: إنما أجابه بعد النهي حماية للظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قتل وأن بأصحابه الوهن فليس فيه عصيان له في الحقيقة، انتهى، يعني على ظاهر حديث البخاري هذا في الجهاد والمغازي، وإلا ففي فتح الباري في حديث ابن عباس عند أحمد والطبراني والحاكم أن عمر قال: يا رسول الله ألا أجيبه؟ قال: "بلى"، فكأنه نهى عن إجابته في الأولى، وأذن فيها في الثالثة، انتهى. ولا منافاة بين الحديثين لأن عمر لم يتمكن من إدامة ترك الجواب، فاستأذنه صلى الله عليه وسلم فأذن له، فأجابه سريعًا "وقد بقي لك ما يسوءك".
قال المصنف: يعني يوم الفتح، وهذا لفظ البخاري في الجهاد، ولفظه في المغازي: أبقى الله عليك، وفي لفظ: لك ما يحزنك. قال المصنف: بالتحتية المضمومة، وسكون الحاء المهملة بعدها نون ساكنة أو بالمعجمة وبعدها تحتية ساكنة، انتهى.
"قال" أبو سفيان: "يوم بيوم بدر" أي: هذا اليوم في مقابلة يوم بدر، وفي حديث ابن عباس، فقال عمر: لا سواء قتلاا في الجنة وقتلاكم في النار. قال أبو سفيان: إنكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذًا وخسرنا، "والحرب سجال" قال الحافظ وغيره: بكسر المهملة وتخفيف الجيم، أي: دول مرة لهؤلاء، ومرة لهؤلاء.
وفي حديث ابن عباس: الأيام دول والحرب سجال، واستمر أبو سفيان على اعتقاد ذلك حتى قاله لهرقل وقد أقر، بل نطق صلى الله عليه وسلم بقوله: "الحرب سجال"؛ كما في حديث أوس بن أوس عند ابن ماجه، ويؤيده قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١٤٠] ، بعد قوله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران: ١٤٠] ، فإنها نزلت في قصة أحد بالاتفاق، والقرح: الجراح، انتهى.
قال ابن إسحاق: فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له: هلم إلي يا عمر، فقال صلى الله عليه وسلم لعمر: "ائته فانظر ما شأنه"، فقال: أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدًا؟ قال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك

<<  <  ج: ص:  >  >>