للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكتب من حين الهجرة.

وقيل: إن عمر أول من أرخ وجعله من المحرم.


واصطلاحا، قيل: توقيت الفعل بالزمان ليعلم ما بين مقدار ابتدائه وبين أي غاية وضعت له فإذا قلت: كتبت كذا في يوم كذا من شهر كذا، ثم قرئ بعد سنة مثلا علم أن ما بين القراءة والكتابة سنة، وقيل: هو أول مدة من شهر ليعلم به مقدار ما مضى، واختصت العرب بإنها تؤرخ بالسنة القمرية لا الشمسية، فلذا قدمت الليالي؛ لأن الهلال إنما يظهر ليلا.
"فكتب من حين الهجرة" رواه الحاكم في الإكليل عن الزهري وهو معضل والمشهور خلافه، وأن ذلك زمن عمر، كما قال الحافظ. "وقيل: إن عمر أول من أرخ" أخرج أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه، ومن طريقه الحاكم عن الشعبي أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم أرخ بالمبعث وبعضهم بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها وبالمحرم؛ لأنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه وذلك سنة سبع عشرة.
ورواه ابن أبي خيثمة عن ابن سيرين بنحوه، قال: ولك في سنة سبع عشرة، وقيل: ست عشرة في ربيع الأول، فلذا قال: "وجعله من المحرم"؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه، إذا البيعة وقعت أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة وأول هلال استهل بعدها، والعزم على الهجرة الهلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ؛ والمتحصل من مجموع آثار أن الذي أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي، وذكر السهيلي: أن الصحابة أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: ١٠٨] ؛ لأن من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقا فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر، وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام وعبد النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه آمنا وابتدأ فيه بناء المسجد، فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: ١٠٨] ، أنه أول التاريخ الإسلامي، قال في الفتح: كذا قال والمتبادر أن معنى قوله: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: ١٠٨] ، أي: دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة، انتهى.
وقد قال ابن المنير: كلام السهيلي تكلف وتسعف وخروج عن تقدير الأقدمين فإنهم قدروه من تأسيس أول يوم، فكأنه قيل: من أول يوم وقع فيه التأسيس، وهذا تقدير تقتضيه العربية وتشهد له الآية، وقيل: أول من أرخ يعلى بن أبية حين كان باليمن، حكاه مغلطاي. ورواه أحمد بإسناد صحيح عن يعلى. قال الحافظ: لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار ويعلى، ولم يؤرخوا بالمولد ولا بالمبعث؛ لأن وقتهما لا يخلو من نزاع من حيث الاختلاف فيهما، ولا بالوفاة النبوية

<<  <  ج: ص:  >  >>