للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره -صلوات الله وسلامه عليهم.

وظاهر الحديث يقتضي أنه -عليه السلام- أخر الدعاء والشفاعة ليوم القيامة، فذلك اليوم يدعو ويشفع، ويحتمل أن يكون المؤخر ليوم القيامة ثمرة تلك الدعوة ومنفعتها، وأما طليها فحصل من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا.

وقد أمر الله النبي -صلى الله عليه وسلم- الترقي في مراتب التوحيد بقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} [محمد: ١٩] فإنه ليس أمرًا بتحصيل ذلك العلم؛ لأنه عالم بذلك، ولا بالثبات؛ لأنه معصوم، فتعيِّن أنه يكون للترقي في مراتبه ومقاماته، إشارة إلى أنَّ العلم به تعالى, والسير إليه لا نهاية له أبدًا، فجميع العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية في العالم منتظم في سلك تحقيقها، وستثمر من أفنان طواياها، ولذا


نبينا -صلى الله عليه وسلم- على سائر الأنبياء؛ حيث آثر أمته على نفسه" فلم يدعها لنفسه "و" "أهل بيته يدعوته المجابة" فلم يدع بها لهم "ولم يجعلها دعاء عليهم" أي: أمته "بالهلاك كما وقع لغيره" نوح -صلوات الله وسلامه عليهم", ووجه الفضيلة للمصطفى مع أن نوحًا إنما دعا بعد أن أوحي إليه: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} , إنَّ نبينا -صلى الله عليه سلم- لما أتى له ملك الجبال وقال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، قال: "لا إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله" صلى الله عليهم أجمعين, "وظاهر الحديث يقتضي أنه -عليه السلام- أخَّر الدعاء والشفاعة ليوم القيامة، فذلك اليوم يدعو ويشفع" فيه, فهو خبر، فذلك اليوم, والعائد محذوف، ويحتمل نصب اليوم ظرفًا فلا حذف.
"ويحتمل أن يكون المؤخَّر ليوم القيامة ثمرة تلك الدعوة ونفعها، وأما طلبها, فحصل من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا" لكنَّه احتمال بعيد مخالف للظاهر, "وقد أمر الله النبي -صلى الله عليه وسلم- بالترقي في مراتب التوحيد، بقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} , فإنه ليس أمرًا بتحصيل ذلك العلم؛ لأنه عالم بذلك" فيلزم الأمر بالموجود في المأمور "ولا بالثبات" الدوام عليه؛ "لأنه معصوم" فلا يمكن منه عدم الثبات حتى يؤمر به "فتعيِّن أن يكون للترقي في مراتبه ومقاماته, إشارةً إلى أن العلم به تعالى, والسير إليه لا نهاية له أبدًا، فجميع العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية في العالم منتظم" داخل "في سلك تحقيقها ومستثمر" أي: مثمر, فالسين زائدة, "من أفنان" جمع فنن، أي: أغصان، أي: خواص "طواياها" أي: المراتب العلية, جميع طويّة بمعنى مطوية، أي: ما خفي من تلك المراتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>