للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما كان يكفيك هكذا". وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه إلى كوعيه. رواه البخاري ومسلم.

واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب، وسقوط استحباب تكرار


وفي رواية: إذ "كنا في سفر" وفي رواية للشيخين: في سرية، وزاد: فأجنبنا "أنا وأنت" تفسير بضمير الجمع في كنا، "فأما أنت فلم تصل"، لأنه كان يعتقد أن التيمم عن الحدث الأصغر لا الأكبر، بدليل قوله للسائل: لا تصل حتى تجد الماء، "وأما أنا فتمعكت" في رواية: فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة "بغين معجمة" أي: تقلبت، كأنه استعمل القياس لأنه رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء، فرأى أنه إذا وقع عن الغسل يقع على صفة الغسل، "فصليت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم" لما عدت من السرية، "فقال": "إنما كان يكفيك هكذا"، "بكاف بعد الهاء"، "وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما", وفي رواية: ثم أدناهما من فيه، وهي كناية عن النفخ، وفيها إشارة إلى أنه نفخ نفخا خفيفا "ثم مسح بهما وجهه وكفيه إلى كوعيه" ففيه دلالة على أن هذه الصفة هي الواجبة في التيمم، والزيادة عليها لو ثبتت بالأمر دلت على النسخ ولزم قبولها, لكن إنما وردت بالفعل، فتحمل على الأكمل وهذا هو الأظهر من حيث الدليل.
قال النووي في شرح المهذب: هذا القول وإن كان مجروحا عند الأصحاب، فهو القوي في الدليل، وأجاب في شرح مسلم، بأن المراد بيان صورة الضرب للتعليم، وليس المراد بيان جميع ما يحصل به التيمم، وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد جميع ذلك، لأن ذلك هو الظاهر من قوله: إنما كان يكفيك، وقياسه على الوضوء قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار، وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر، وهو الإطلاق في آية السرقة، ولا حاجة لذلك مع وجود النص، ثم سياق هؤلاء، يعني: الستة الذين رووه عن شعبة عن البخاري، يدل على أن التعليم وقع بالفعل.
ولمسلم من طريق يحيى بن سعيد، والإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون وغيره، كلهم عن شعبة، أن التعليم وقع بالقول، ولفظهم: "إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض". زاد يحيى: "ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك". قاله كله الحافظ، يعني: فجمع له صلى الله عليه وسلم بين التعليم بالقول والفعل، غايته أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، أو تركه اكتفاء بالفعل، لأنه أبلغ.
"رواه البخاري ومسلم" بطرق متعددة، "واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب و" على "سقوط استحباب تكرار التيمم، لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف".

<<  <  ج: ص:  >  >>