للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه لا يجتمع في القلب حبان، فإن المحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب، فليختر المرء لنفسه أحدى المحبتين فإنهما لا يجتمعان في القلب، والإنسان عند محبوبه كائنًا ما كان كما قيل:

أنت القتيل بأي من أحببته ... فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي

ولبعض الحكماء: كما أن الغمد لا يتسع لعضبين فكذلك القلب لا يتسع لمحبتين، ولذلك لازم إقبالك على من تهواه إعراضك عن كل شيء سواه، فمن


أحدًا، فكف بصره" عمي.
وفي الحديث: إن منكم معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره، وفي تفسير القرطبي؛ أنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ الآية على الرجل، دعا الله أن يعميه حتى لا يرى أحدًا غيره في الدنيا، فعمي مكانه، وتقدم مزيد لهذا النوع السابع من المقصد السادس، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد في المقصد العاشر.
"واعلم أنه لا يجتمع في القلب حبان، فإن المحبة الصادقة"، أي: الخالصة التي لا يشوبها رياء ولا مداهنة، ويعرف بالقرائن والأحوال، وصفها بذلك تنزيلًا لدلالتها على صدق صاحبها منزلتها، ووصف غير العاقل بالصدق، وهو الإخبار بما يطابق الواقع، كثير في كلامهم، ومنه صدق القتال إذا قوي واشتد، "تقتضي توحيد المحبوب" أي: جعله واحدًا، بحيث لا تتعلق محبته بغيره، فإذا تعلق قلب إنسان بمحبة شخصين لم تكن محبته لواحد منهما صادقة، فإن أراد صدقها، "فليختر المر لنفسه إحدى المحبتين" المتعلقتين بالشخصين، بالاقتصار على محبة واحد منهما، "فإنهما لا يجتمعان في القلب والإنسان عند محبوبه"، منقاد إليه، مسلم له جميع أموره، فيصير معه كعبد عامل بمقتضى العبودية من انقياده إلى سيده ظاهرًا وباطنًا وحرصه على طاعته وفعل مراده، وإن لم يأمره "كائنًا ما كان، كما قيل" قائله ابن الفارض: "أنت القتيل، بأي من أحببته"، لاستيلاء الحب عليك، فنقني في حبه بالانقياد له، فتصير كالميت الذي لا قدرة له على فعل شيء، فكأن المحبوب أزال شعور المحب لاستفراغه في هواه، "فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي"، أي: من تعده صافيًا في الدين، بحيث يحملك على ملازمة الطاعة سرا وإعلانا، وليس المراد من نختار؛ لأنه يصير في غاية الركة، كأنه قال: اختر من تختار، "ولبعض الحكماء: كما أن الغمد" "بكسر الغين المعجمة" "لا يتسع لعضبين": "بفتح المهملة وإسكان المعجمة" تثنية عضب، وهو السيف القاطع تسمية بالمصدر، فهو أخص من مطلق السيف، "فكذلك القلب لا يتسع لمحبتين، ولذلك لازم إقبالك على من تهواه إعراضك عن كل شيء سواه، فمن داهن في المحبة" أي: أظهر خلاف ما يبطن "أو

<<  <  ج: ص:  >  >>