روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن أبن أم مكتوم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام، فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، وكرر ذلك، ولم يعلم تشاغله بالقوم فكره صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه، فنزلت، وأخرج الترمذي والحاكم، عن عائشة قالت: أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} الآية، في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجل من عظماء المشركين، فجعل يعرض عنه ويقبل على الآخر، فيقول: أترى بما أقول: بأسًا، فيقول: لا، فنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} . وروى أبو يعلى مثله عن أنس، وفي ابن عطية، قيل: الجرل الوليد بن المغيرة، وقيل: عتبة وقيل: شيبة، وقيل: العباس، وقيل: أمية، وقيل: أبي بن خلف، وقال ابن عباس: كان في جمع منهم عتبة والعباس، وأبو جهل. انتهى. وعلى أن العباس فيهم لا ينافي أنه تزكى، لأن المعنى لا يتزكى في وقت الإعراض عن الأعمى، وإنما تزكى العباس بعد بكثير "وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما "بكسر اللام التخفيف، أو فتحها والتشديد"، "فعل" من العبوس والإعراض، "وتصديه لذلك الكافر كان طاعة لله وتبليغًا عنه" فهو فعل حسن وأمر لازم له، "واستئلافًا" استمالة "له" للكافر رجاء إسلامه" كما شرعه الله له" وفرصه بالتبليغ ولين الجانب لمن يدعوه {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} "لا معطية ولا مخالفة له"، أي: لما شرعه، وذكر هذا بعد قوله أولًا، فليس فيه إثبات ذنب تنبيهًا على أنه ليس مباحًا فقط، بل طاعة واجبة، "وما قصة الله تعالى عليه من ذلك إعلام بحال الرجلين وتوهين" بالرفع عطف على أعلام أي: تضعيف "أمر الكافر عنه" وأنه لا قدر له يعتد به، "والإشارة إلى الأعاض عنه، بقوله: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس: ٧] ، وفي إلقاء الكلام له بدون الخطاب إكرام له صلى الله عليه وسلم عن أن يواجه بالعتب، لا مبالغة في العتب